بداية يجب التذكير بأن هذا الموضوع خاص بالجماعات الإسلامية ولا يدخل فيه الحديث عن الجماعات غير الإسلامية من علمانية واشتراكية وقومية ووطنية وغيرها؛ لأن هذه الجماعات فاشلة قطعاً كونها لا تستند إلى أساس سليم وهو العقيدة الإسلامية، فأساسها خاطئ وسيرها خاطئ فلذلك لا تُبحث ولا تناقش في هذا الجانب لأن ما كان أساسه خاطئا فهو حتماً فاشل في قضية التغيير التي نحن بصدد الحديث عنها في هذا الموضوع.
الجماعات الإسلامية قامت على أساس فكرة واحدة وهي تغيير الواقع وإيجاد الإسلام مطبقاً في واقع الحياة بغض النظر عن المسميات التي أطلقتها على فكرة وهدف التغيير.
لقد جاوزت الأمة الإسلامية حدود المائة عام على هدم دولة الإسلام وتطبيق الكفر بمفاهيمه وأفكاره وتشريعاته عليها، وبعد هدمها قامت العديد من الجماعات من أجل إعادتها بمسميات وطرق عدة. ورغم مضي أكثر من مائة عام على هدم دولة الخلافة إلا أنه لم تستطع أي من الجماعات إعادتها مرة أخرى.
فهل فشلت الجماعات في عملية التغيير؟ وما هو معيار ودلائل الفشل؟
هنا لا بد من التذكير بصعوبة الواقع وتفاوت الإمكانيات في عملية الصراع بين دعاة التغيير وبين أعدائهم من الدول الاستعمارية الكافرة المجرمة وعملائها حكام المسلمين وأتباعهم، فقضية التغيير على أساس الإسلام ليست بالسهولة واليسر كما يتوهم البسطاء بل هي قضية تنوء بها الجبال الراسيات، وإمكانيات الكفر ومكرهم تزول منه الجبال. لكن رغم صعوبة الحال وقوة وإمكانيات الأعداء إلا أن حملة الدعوة للتغيير ثابتون وسائرون واستنادهم الوحيد في المعركة إلى الله عز وجل الذي بيده النصر والتمكين، والأمة الإسلامية تتجه صوب فلسفة التغيير وتنساق معه ولو ببطء.
قبل الحديث عن دلائل ومعيار الفشل لا بد من التأكيد على أن طول مدة التغيير وتأخر تحقيق الهدف قياسا بالسنين ليس دلالة على الفشل إطلاقا، فسيدنا نوح عليه السلام مكث يدعو قومه مئات السنين، والإسلام لم يضع سقفا لمدة التغيير لنجعلها مقياسا للفشل، بل الإسلام أوجب على حملة الدعوة الاستقامة على الصواب والثبات على الحق ولم يربط التغيير بالمدة إطلاقا. فلذلك كان من الجهل أن يُقال إن الحزب الفلاني فاشل لأن له عشرات السنين ولم يحقق هدفه، وهذا يجعل للعقل والأحاسيس الحكم على القضايا والأمور.
وعند إمعان النظر في قضية فشل الجماعات الإسلامية نجد أن دلائل ومعيار فشلها تُحصر في ثلاث دلائل:
١) تخليها عن أفكار أساسية ورئيسية لديها، فالجماعات التي تبنت التغيير على أساس الإسلام وأن تكون الحاكمية لله وحده، بغض النظر عن المسميات (دولة الخلافة، الدولة الإسلامية، إيجاد المجتمع الإسلامي..)، فالجماعة التي تتخلى عن هذه الفكرة وتصبح تنادي بدولة مدنية أو دولة الحريات والمساواة فهي جماعة فشلت لأنها تخلت وتراجعت عن هدف من أهداف حياتها وروحها ولو بقيت موجودة ولها أتباعها ومناصروها.
٢) وصولها للحكم والتخلي عن فكرة تطبيق الإسلام كما كانت تنادي وتقول قبل الوصول، فالجماعة التي تصل للحكم وتسير حسب الدستور الموجود ولا تعمل على تطبيق الإسلام وشريعته كما كانت تقول وتدعي قبل الوصول للحكم هي جماعة فشلت ولو تذرعت بكل الذرائع.
٣) أن تتفكك ويتم حلها وهذه ليست بحاجة لشرح وبيان.
هذه أسس الحكم على فشل الجماعات الإسلامية، وهذا مقياس ومعيار الفشل الحزبي، وحذار أن يتسرب لنفسية مسلم أن طول الزمان وتأخر بلوغ المرام هو مقياس على الصحة أو الفشل لأنه مخالف لحقائق الدين ولعقيدة النصر وهو مدعاة لليأس والإحباط.
بنظرة خاطفة لخريطة العمل والوجود الحزبي في البلاد الإسلامية، نجد أن الجماعات الإسلامية التي نشأت للتغيير وإعادة حكم الإسلام للحياة والمجتمع قد فشلت فشلاً ذريعاً، ومن باب الإنصاف لم يتبق إلا حزب التحرير فهو ثابت على أسسه رغم ثقل الواقع وصعوبة الحال، ساعٍ لتحقيق هدفه دون زيغ أو تراجع، وهو أمل الأمة في التغيير والخلاص.
في الخاتمة نتذكر أن الله عز وجل قد وعدنا بالنصر والتمكين وهو بيده وحده ذلك، وقد ألزم حملة الدعوة بالاستقامة والثبات على الحق والسير وفق ما شرع. وهو سبحانه وتعالى قطعاً وحتماً ناصرُ مَن يجعل أساس قيامه العقيدة الإسلامية ويستقيم على أحكام الإسلام في التغيير وتكون النية خالصة له وحده ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.
بقلم: الأستاذ عطية الجبارين – الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع