إن الصراع بين الإسلام والكفر منذ قديم الزمان، ومنذ بعثة النبي ﷺ، اتخذ وسائل وأساليب كثيرة، من بينها العداوة المباشرة، وإظهار القيادة بالعجز، وتصويرها بالفشل والإساءة إليها بأقبح النعوت، فالإسلام منهج للحياة ونظام متكامل، يوجد الحلول لمشاكل الإنسان، فالناس فيه سواسية فهو ينظر للكل باعتبارهم عبيداً لله الواحد الديان، وبان لكفار قريش أن هذا الدين الجديد سيوجد انقلاباً سياسياً شاملاً للحياة، وذلك عندما جمع النبي ﷺ سادة قريش، وقادتها وقال لهم كلمة إن قلتموها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم، قالوا نعطيك مائة كلمة، فقال: قولوا لا إله إلا الله، فقالوا إلا هذه، فاتخذوا حياله هو وأصحابه عدة أساليب: منها التعذيب والتشريد لأصحابه، والإساءة له ﷺ... كل هذه الأساليب والدعاوى لم تنل من النبي ﷺ، وأصحابه، بل زادتهم ثباتاً على المبدأ، ويقيناً بنصر الله لدعوته، دون مراوغة أو مداهنة.
نعم من هنا بدأت ملامح الصراع، والهجمة الشرسة ضد الإسلام، وأحس قادة قريش بأن محمداً ﷺ سيسحب البساط من تحت أقدامهم، لذلك استخدموا كل الوسائل المتاحة لديهم، للحط من شأنه وتكذيب رسالته، والسخرية والاستهزاء والنيل منه، ورميه بشتى التهم والأوصاف، بغرض صد الناس عنه، وتخذيل المؤمنين به، وتهوين قواهم، فتارة يتهمونه بالجنون ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِي نـزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾، وتارة يصفونه بالسحر والكذب ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾، وتارة ينسبونه إلى الشعر والكهانة، وتارة يسخرون من جلسائه وأصحابه من المستضعفين، ويجعلونهم مثاراً للضحك والهمز والغمز ويقولون: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾، ومن الأساليب كذلك الحرب الإعلامية المتمثلة في تشويه أحكام الإسلام، وإثارة الشكوك والشبهات حولها، حتى لا يبقى هناك مجال للآخرين للتفكير في الدعوة، فضلاً عن قبولها، فقالوا عن القرآن: ﴿إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾، ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾، وقالوا ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾، فهنا كان المنهج والفكرة للمسلمين واضحاً ومهضوماً، هكذا علق أبو بكر الصديق رضي الله عنه على تشكيك قريش في رحلة الإسراء والمعراج، فذهبت قريش لأبي بكر الصديق تخبره عما يقوله الرسول في حادثة الإسراء والمعراج للإيقاع بينه وبين الرسول ﷺ، فلما أخبروه سألهم: أوقد قال؟ قالوا: نعم، قال أبو بكر: إن كان قد قال ذلك فقد صدق. فسألوه: أتصدقه في هذا؟ قال أبو بكر: إني أصدقه في أبعد من هذا، إني أصدقه أن خبر الوحي يأتيه من السماء في عشية وضحاها، أفلا أصدقه أنه انتقل إلى البرزخ، وصعد إلى السماء، والله لهذه أصعب من هذه. فانطلق أبو بكر إلى الرسول ﷺ، فإذا به يخبر الناس عن حادثة الإسراء والمعراج، وأبو بكر يهز رأسه ويقول: صدقت أشهد أنك رسول الله، فيقول له النبي ﷺ: يا أبا بكر، أنت الصِديق، وكان تصديق أبي بكر للإسراء والمعراج سبباً في تصديق الكثير من المؤمنين. ولكن عندما غاب المنهج، وضعفت الدولة في أواخر الخلافة العثمانية، تحدى الغرب بتشريعاته، المسلمين تحدياً صارخاً، وكان من نتيجة هذا التحدي أن هُزم المسلمون ودمروا سياسياً تدميراً تاماً، ومزقوا شر ممزق.
إن المسلمين حين هاجمهم الغربيون في التشريع كانوا مشدوهين بالانقلاب الصناعي الهائل الذي حصل في الغرب، فربطوا أنفسهم لعلاج مشاكلهم بالمبدأ الرأسمالي بعظمة الاختراعات والصناعات التي حصلت عند الغرب، فحصل الخلل في التفكير، فكان من جراء ذلك حصول الخلل في الثقة في أحكام الإسلام، فمثلاً حين قال الغرب إن البنوك ضرورة اقتصادية، فهل الإسلام يقول بالبنوك؟ لم يسأل المسلمون ما حكم الإسلام في البنوك، بل قالوا لا بد للإسلام من مسايرة الزمن، فأصبح العلماء يفتون بالربا القليل، بحجة فقه الضرورة، وحفظ مال اليتيم من الهلاك وغيرها من الأحكام التي هاجم الغرب فيها التشريع الإسلامي في الحكم والاقتصاد والاجتماع، وسار على نهجهم المضبوعون بالثقافة الغربية، إلى أن وصل الأمر إلى أحكام الصلاة بما يثار من قضية التباعد في الصلاة بحجة وباء كورونا، مقلدين الغرب في معالجته لهذه القضية، قال ﷺ: «لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْراً بشبْر، وذراعاً بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ».
والآن يثار مخطط تغيير الخطاب الديني، وتصدّر له أبواق لهم، من علماء السلطان بإصدار الفتاوى، لتتلاءم مع نظرة الغرب الكافر، مغيرين ومبدلين لشرعة الله، ولكن أمة الحبيب محمد ﷺ، التي لا تخنع للظلم والظالمين، ولا يروضها الساقطون الذين رضوا بأن يكونوا عبيداً للكافر المستعمر، تصدت للإساءة لرسولها ﷺ، ومن ذلك مقاطعة المنتجات الفرنسية فارتعد العلج ماكرون وخاف على مصالح بلاده، فخرج بتصريح يتملق فيه الأمة بأن فرنسا ليست عدوة للإسلام كدين، فانظروا كيف أن هذا الموقف يدل على تغلغل الإسلام في نفوس المسلمين، وهذا ما يهابه الغرب، لذلك يعمل على تضليل الأمة، فكيف إذا أقيمت لها دولة، وكان لها راع، «إِنَّمَا اْلإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ». فبالخلافة نحيا وتحفظ أرواحنا وأعراضنا، وتحيا مساجدنا، وتحفظ عقيدتنا، وتحمى مقدساتنا.
* عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع