الثالث من حزيران/يونيو يوم لن ينساه أهل السودان عامة والثوار خاصة؛ ففي فجر ٣/٦/٢٠١٩م، ٢٩ رمضان ١٤٤٠هـ استيقظ الشباب المعتصم أمام بوابات القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية منذ الـ٦ من نيسان/أبريل ٢٠١٩م إلى سقوط البشير في ١١ نيسان/أبريل وحتى هذا اليوم على وابل من رصاص الخيانة والغدر، وفي خيانة واضحة اتفق الأطراف (قوى التغيير والعسكر) الذين اختطفوا ثورة الشباب وحاكوا المؤامرات التي دبروها بليل من أجل الوصول إلى حل وسط واقتسام السلطة بينهم.
وبعد تنفيذ الجريمة تناقضت تصريحات المسؤولين حول من الذي فض الاعتصام، حيث أقر الفريق أول شمس الدين كباشي أن المجلس العسكري هو الذي اتخذ قرار فض الاعتصام ووضع الخطة ولكن بعض الأخطاء والانحرافات وقعت وحدث ما حدث.
وبعد هذه التصريحات نفى المجلس العسكري إصداره أوامر بفض الاعتصام في بيان صادر عن المجلس العسكري: "أوردت بعض وسائل الإعلام معلومات خاطئة ونسبتها للمؤتمر الصحفي الذي عقده" سكاي نيوز ١٦/٦/٢٠١٩م، وكذلك نفى نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول حميدتي أن فض الاعتصام كان فخاً مقصودا به قوات الدعم السريع، وبعد مرور عام على فض الاعتصام كتبت عضو تجمع المهنيين ومضة كمال على صفحتها في الفيسبوك: أنها تلقت اتصالاً تحذيريا من عضو التجمع أحمد ربيع؛ وطلب منها مغادرة منطقة الاعتصام قبل نصف ساعة من الفض وقالت ومضة إن ربيع طلب منها أن توصله بأي عضو ينتمي للحزب الشيوعي داخل منطقة الاعتصام. وأضافت أبلغت عبر الهاتف فجر 3/6/2020م نقلاً عن عضو المجلس العسكري كباشي أن القوات وصلت بالقرب من القيادة العامة ومهمتها محصورة في منطقة كولومبيا وطلب منها مغادرة المكان (لو إنتي في القيادة اطلعي). وذكرت أنها كانت على قناعة أن القوات التي وصلت القيادة هدفها فض الاعتصام، وزادت: وافقني هذا الرأي بندر أرقم عندما نقلت لهم رسالة أحمد ربيع، وتابعت: بعد وقت وجيز فعلاً حصلت المجزرة. الجدير ذكره أن المدعو أحمد ربيع هو من وقع أوراق الوثيقة الدستورية ممثلا للمدنيين.
هذه إحدى الرسائل للثوار أن طرفي الحكم الآن العسكر والمدنيين متورطون ومتواطئون ومشتركون في المجزرة، وفي المساحة التالية ننقل صورة من مشهد اليوم الأليم إفادة أحد الناجين من المجزرة وهو المهندس أحمد جعفر أنقل جزءاً منها لكم من على صفحته، يقول: "ليلة التاسع والعشرين من رمضان ١٤٤٠هـ مرت الساعات مسرعة حتى قرب زمن السحور فهو ومجموعة من الثوار كانوا داخل مسجد الجامعة يقول: بعد أن تهجدنا وكان آخر يوم في التهجد فختمنا القرآن الكريم ثم تسحرنا وبعد الفجر بدأنا حلقة التلاوة وكانت الختمة أيضا في ذلك الفجر وبقية الشباب في المسجد استلقوا نيام وبعد ثلث ساعة بالتمام والكمال تحديداً الساعة الخامسة إذ بنا نسمع صوتا عالياً من الرصاص لم يكن صوتاً لكلاشينكوف بل كان صوت الدوشكا نعم دوشكا ففزع من في المسجد وخرجوا ليعرفوا مصدر هذا الصوت وبعد دقائق صار المسجد خالياً إلا من هم في حلقة التلاوة فقال الإخوة لن نخرج حتى نتم الختمة ولو على جثثنا جميعاً وحينها أخبرنا من هم بالخارج أن قوات الدعم السريع دخلت القيادة وأطلقت الرصاص على الثوار، وفاجأنا فردين بدخولهم للمسجد أحدهم يرتدي زي الدعم السريع والآخر يرتدي زي الشرطة، وقلت لإخوتي لا تفزعوا فنحن داخل المسجد وله حرمته فلم أنهِ الجملة إلا ويكذبني صاحب البمبان ويضربنا داخل المسجد وفي المحراب ونحن نحمل مصاحفنا في أيدينا وضربونا بالهراوات ونهبوا هواتفنا، وبعد أن أخذونا ونحن في الطريق قال أحدهم اضربه في رأسه اضربه في رأسه، وهو يقصدني، فانهال بكل غبنه وغبائه على رأسي حتى انكسرت هراوته وحينها أغمي علي، وبعد برهة من الزمن فقت من الإغماء، لم أتذكر شيئا غير الشهادة فظللت أرددها لأني تأكدت عدم خروجي حياً من هؤلاء المجرمين..." إفادة الأخ طويلة جدا آثرت أن أقتطف منها جزءاً حتى يقف الناس على حجم المجزرة والجريمة داخل المسجد وعدم مراعاة حرمته.
وأوردت صحيفة اليوم التالي خبراً جاء فيه: "رئيس وزراء السودان يصدر قراراً بتشكيل لجنة للتحقيق في فض الاعتصام والانتهاكات التي جرت في الثالث من حزيران/يونيو 2019م برئاسة المحامي نبيل أديب"، والآن مرت أكثر من ٩ أشهر على تكوين لجنة فض الاعتصام، ولم يقدم خلال هذه الفترة شخص واحد للمحاكمة مع العلم أن من قام بفض الاعتصام جهات معلومة فلماذا كل هذه المماطلة؟! وهل هناك ثمة لعبة قذرة لطمس هوية الفاعل؟!
أيها الثوار أين العدالة التي من أجلها لقي إخوانكم حتفهم؟! فقد خرجت تظاهرات ومواكب تحت شعار المطالبة بالقصاص ومحاكمة الجناة ولكن دون جدوى، ونشاهد المواكب نفسها وحرق الإطارات إحياء للذكرى فهل يا ترى هذه الأفعال تحقق المراد؟!
وفي تغريدة للسفير البريطاني بالسودان عرفان صديق في الخرطوم صباح الأربعاء ٣/٦/٢٠٢٠م على حسابه بتويتر "منذ عام مضى استيقظت فجأة على إطلاق النار المريع والمرعب حيث وقعت مذبحة في اعتصام ثوري"، فمن يوقف عبث السفارات الأجنبية بالشؤون الداخلية للبلد؟ ويتحدث هذا العرفان وكأن السودان مستعمرة التاج البريطاني، ويؤكد شيئاً وهو أن حكام السودان الجدد دورهم مجرد كومبارس فقط، أما الحاكم الفعلي فهي السفارات... فيا أيها الثوار: ألم نتعظ بعد من تحذيرات وخطورة هذه السفارات؟! إن عرفان هذا منذ أيام الاعتصام كان موجوداً بصفة دورية بل يقيم إفطارات رمضانية في منزله!!
أما أهم الرسائل فتحمل الكثير، ومنها العلاج الشافي لاستئصال المرض العضال هذا النظام الرأسمالي الذي نخر جسد الأمة وأوجد الشرخ وذاق الناس منه العلقم والفقر جراء تطبيقه فحول حياتنا إلى جحيم لا يطاق وأورثنا الضنك وأصبحنا نبدل وجوه الحكومات العلمانية الملتحية منها والصريحة دون أن يحصل التغيير المنشود، لماذا؟! حسنا ببساطة يا ثوار لأننا لم نسلك الطريق القويم الذي يوصلنا إلى الغاية المنشودة، فطالما لم نغير أصل النظام الوضعي واستبدال نظام رب العالمين به، فلن نعيش حياة آمنة مطمئنة يرضى الله بها عنا في الحياة الدنيا والآخرة؛ ولذلك لزاماً علينا جميعاً العمل للتغيير الحقيقي مع رائد العمل الذي لا يكذب أهله لإعادة الخلافة الراشدة (حزب التحرير) الذي ظل طوال عقود يكافح الأنظمة الحاكمة بسلاح الفكر والحجة ويكشف خطط العملاء، فالحقوا بقطار التغيير الظافر فالعمل اليوم ليس كالغد.
﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع