انشغل أهل السودان، وضجت الأوساط السياسية فيه بتوقيع إعلان المبادئ يوم 28/3/2021م بين رئيس مجلس السيادة في حكومة الفترة الانتقالية البرهان، ورئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال الحلو، وتسارعت ردود الأفعال المناهضة لبنود الاتفاقية. ومما ورد في هذا الإعلان 2-2: (حق شعب السودان في المناطق المختلفة في إدارة شئونهم من خلال الحكم اللامركزي أو الفيدرالي)، و(2-3): (تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية في السودان تضمن حرية الدين والممارسات الدينية والعبادة لكل شعب السودان وذلك بفصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة ولا تتبنى الدولة دينا رسميا ويجب أن تستند قوانين الأحوال الشخصية إلى الدين والعرف والمعتقدات بطريقة لا تتعارض مع الحقوق الأساسية).
وقبل هذا الإعلان بستة أشهر وقع حمدوك مع الحلو في أديس أبابا يوم 4/9/2020م، اتفاقاً مشابهاً، ويتضح تسابق حكام السودان الجدد في إرضاء أسيادهم على حساب عقيدة الأمة. وبالنسبة للصراع الضاري بين قوى الكفر فإن أمريكا استطاعت أن تسحب البساط من تحت أقدام بريطانيا. وتلقى البرهان التهنئة من المبعوث الأمريكي للسلام في السودان دونالد بوث ومبعوث الاتحاد الأوروبي بالخرطوم روبرت فاندل، وقال المبعوث الأمريكي إن التوقيع خطوة عظيمة في اتجاه استكمال سلام السودان، وطلب من عبد الواحد نور رئيس حركة جيش تحرير السودان اتخاذ خطوات مماثلة. وأشاد المبعوثان بحسن قيادة رئيس مجلس السيادة للمرحلة ونجاحه في التوصل إلى حل لقضية السلام، في إشارة إلى الاختراق الذي حدث.
وأعلنت الخارجية الأمريكية ترحيبها غير المحدود على توقيع إعلان المبادئ وقالت إنها تتطلع لمزيد من الخطوات للوصول إلى اتفاق السلام. وقد رحب مجلس شركاء الفترة الانتقالية في اجتماعه بالقصر الجمهوري وفق التصريح الصحفي الذي أدلته الناطقة باسم المجلس دكتورة مريم الصادق 29/3/2021م.
إن سيطرة أمريكا على ملف السلام المزعوم هو جزء من تحكم أمريكا الكامل على مقاليد حكم الفترة الانتقالية وآلت كل الأمور الحساسة للمكون العسكري داخل الحكومة، وأصبح الجانب المدني يقوم بدور الكومبارس، وحتى حركات التمرد المسلحة تتحكم فيها أمريكا، التي تسعي لتفتيت ما تبقى من السودان وتغيير هوية الأمة بالعلمنة. قال تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
بوجود هؤلاء الحكام، والوسط السياسي المرتبط بالغرب الرأسمالي، أصبحنا نلدغ من الجحر نفسه مرات ومرات، ففصل جنوب السودان عن شماله، وحركة الحلو برعاية أمريكا، ولأن عقلية أمريكا الرأسمالية هي عقلية جشعة فلا تشبع، بل تريد المزيد، حيث لم يشبعها جنوب السودان، بل يسيل لعابها لكل موارد السودان في كردفان، ودارفور والنيل الأزرق وغيرها، وهو ما يهيئ له إعلان المبادئ الموقع بين البرهان والحلو، وقد جاءت الفرصة على طبق من ذهب عن طريق حكام جل همهم إرضاء أمريكا، والعجيب في الأمر أنهم أكلوا عجوة الديمقراطية اللينة، ونفذوا أجندة العدو بالحرف الواحد.
وهنا نسأل: هل خرج الشباب في ثورتهم من أجل فصل عقيدتهم عن حياتهم؟ ومن الذي فوض البرهان والحلو وحمدوك لتوقيع هذه الاتفاقيات الخيانية؟
إن ملف السلام منذ بداية الفترة الانتقالية، هو ساحة للصراع بين طرفي الحكم؛ عسكر أمريكا القابضين على زمام الأمور، وبين أدوات أوروبا وزوار السفارة البريطانية، وحتى مقر المفاوضات في جوبا حكامها عملاء أمريكا، وكذا الحركات المسلحة، وكان المبعوث الأمريكي قد أمر بأن السلام لا يأتي إلا عبر بوابة جوبا! وهو ما سهل على العسكر إحكام قبضة أمريكا على هذا الملف وسحبه من حمدوك ربيب أوروبا، والصورة أصبحت واضحة تماما بأن أمريكا قد أحكمت قبضتها على السودان.
أما قضية علمانية الدولة فالسودان منذ خروج المستعمر الإنجليزي بجيوشه وإلى يوم الناس هذا لا يزال يحكم بالعلمانية، فالتشريعات والقوانين والدساتير المتعاقبة مصدرها إرادة الشعب والأغلبية، ولكن الاختلاف هو أن بعض الحكومات تطبقها باستحياء وتحت شعارات الإسلام ولي أعناق بعض أحكام الإسلام الموجودة في قانون الأحوال الشخصية والميراث، وحتى هذه الأحكام جاء الوقت ليتم سلخها بالكامل من نظام الإسلام، بينما الحكومات السافرة مثل حكومة الفترة الانتقالية تريدها علمانية صريحة دون حياء، ولا خجل، أما الحكم اللامركزي ومنه الحكم الذاتي أو الفيدرالية فتعتبر إضعافا لوحدة البلاد بتقسيمها إلى أقاليم أشبه بالدول حيث يستمد حكام الأقاليم سلطة الحكم ذاتيا من أهل الإقليم، هذا فضلا عن أنه يخالف الحكم الشرعي الذي قضى بأن نظام الحكم في الإسلام نظام وحدة ليس غير.
فيا أهل السودان أهل (التقابة) والقرآن، أليس من العار والشنار أن تتحول بلادنا إلى ساحة صراع دولي عبر الحكام والساسة ومن رضعوا من ثدي السفارات، وقادة الحركات المسلحة، والأحزاب، والكيانات يتسابقون في إرضاء أسيادهم ويحوكون الدسائس ويتآمرون على البلاد والعباد ويحاربون الإسلام وأنظمته في الحياة؟! فلن يردع هؤلاء ومن يقف وراءهم، إلا دولة الخلافة، وليس في الساحة اليوم من يعمل لها إلا حزب التحرير فاتخذوه قيادة لكم، فقد حان الوقت لاستلام المسلمين زمام الأمر، وما يحدث هو مقدمة لبزوغ الفجر الموعود. قال البروفيسور تسيفى سفر المحاضر في العديد من الجامعات الأمريكية واليهودية يوم 26/1/2018م: "في غضون عقد من الزمان ستتوقف أمريكا عن لعب أي دور خارجي وذلك لأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية مما يفسح المجال لبروز الإمبراطورية الإسلامية" وجزم بأن "الإسلاميين هم من سيتولى حسم مصير العالم خلال عشرات السنين القادمة ويقررون ما يدور فيه". والأمة تتطلع لتعيش في ظل أحكام رب العالمين؛ نظام الإسلام، فقد آن لكم يا أهل السودان أن تسلموا القيادة لحزب التحرير بعد أن عرفتم حقيقة هؤلاء الحكام الخونة، فاعملوا لخيري الدنيا والآخرة يرحمكم الله، فالمسلمون يجزمون بعودتها راشدة على منهاج النبوة.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع