انطلقت يوم الأربعاء الماضي الجلسة الافتتاحية لمحادثات الحوار السوداني - السوداني بتيسير من الآلية الثلاثية المشتركة، بحضور اللجنة العسكرية بمجلس السيادة برئاسة نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول حميدتي، وحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل إلى جانب المؤتمر الشعبي، وقوى الحرية والتوافق الوطني، وتحالف قوى الحراك الوطني، والجبهة الثورية، والحزب الليبرالي، فيما يزعم المبعوث الأممي فولكر بيرتس دعمهم المرحلة الانتقالية في السودان في كلمته أن القرار في النهاية بيد السودانيين، وأضاف نريد أن نحدث تغييراً حقيقيا من خلال الحوار، ودورنا هو تسهيل الحوار. ودعا حميدتي الأطراف التي امتنعت عن المشاركة في جلسات الحوار المباشر إلى تغليب المصلحة العليا للبلاد والانخراط في الحوار.
إن الأزمة السياسية الحالية في السودان، والتي نشأت منذ ثلاث سنوات، هي في الأصل صراع دولي؛ أمريكا من طرف وأوروبا وخاصة بريطانيا طرفها الآخر، أما أدوات الصراع فهم العسكريون والمدنيون والحركات المسلحة، وبعض الأحزاب، ولجان المقاومة، والتجمعات التي أنشئت عقب الإطاحة بالبشير.
وكان انقلاب البرهان في 25/10 الماضي على الحكومة المدنية قد جاء بعد ساعات من اجتماعه بالمبعوث الأمريكي وكان من أجل قصقصة أجنحة أوروبا، وإبعاد أدواتها، فقام البرهان بوضع حمدوك تحت الإقامة الجبرية وضيق عليه الخناق، واعتقل وزراء حكومته، فجن جنون عملاء السفارات الأوروبية، فرفعت قوى الحرية والتغيير شعار اللاءات الثلاثة (لا مفاوضات، لا شراكة، لا شرعية) مع العسكر، ومرت الأيام والشهور وأمريكا تحكم قبضتها. ومع حراك الشارع للضغط بتدبير من عملاء أوروبا، قامت أمريكا بتحريك أدواتها الأخرى متمثلة في الآلية الثلاثية، وقبلها قام فولكر بالجلوس مع الأطراف كافة ومنهم لجان المقاومة التي تم إقناعها بضرورة الجلوس والحوار للخروج من الأزمة القائمة، مع وصول مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية مولي في إلى البلاد قبل بدء جلسات الحوار، وترويض زوار السفارات الغربية، وقد تم بالفعل جلوس الممانعين للحوار مع العسكر بحضور مولي في والسفير السعودي بالخرطوم، ووصف الحوار بأنه غير مباشر.
وأصدرت السفارة الأمريكية بالخرطوم بياناً جاء فيه: "بدعم مقدر من السفارة السعودية وبحضور وفد الولايات المتحدة الأمريكية وممثلين من المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، التقوا اليوم التاسع من حزيران/يونيو بغرض تبادل الأفكار حول كيفية حل الأزمة السياسية الراهنة وكذلك الوصول لعملية سياسية تؤدي إلى الانتقال الديمقراطي"، وجاء في البيان: "إننا نرحب بالتزام الطرفين لوضع مصلحة بلادهما أولاً، والحوار مع أصحاب المصلحة الآخرين. هذا الاجتماع لا يشكل بأي حال من الأحوال بديلا للآلية الثلاثية، ولكن يتطابق مع دعم كل المجهودات لبناء الثقة بين الأطراف".
وأكد الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير المهندس عمر الدقير بعد انتهاء الاجتماع المشترك بين الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد، مع المكتب التنفيذي للحرية والتغيير أنهم على استعداد للتعاطي الإيجابي مع الآلية لتحقيق ما تصبو إليه تحت عنوان "إنهاء الانقلاب" وما ترتب عليه واسترداد مسار التحول المدني الديمقراطي بسلطة كاملة تمثل الجميع.
إن الحقيقة الماثلة للعيان أن مرتزقة السياسة قد أفسدوا حياة الناس، وحولوها إلى جحيم لا يطاق بأفكار الغرب الانحلالية، ونظامه الرأسمالي الجشع، بل أكثر من ذلك حيث استرخصوا دماء الأبرياء من أجل الوصول لكرسي الحكم، ومناصفة الكعكة فيما بينهم، لفهمهم الخطأ بأن السياسة مجرد مراوغة ونفاق وكذب وتنفيذ لأوامر أسيادهم الغربيين، وغاب عن أذهانهم المفهوم الصحيح للسياسة وهو رعاية شؤون الناس وحفظ مصالحهم.
إن أمريكا لا تريد استقراراً للسودان، بل تسعى لتفتيته وتقسيمه إلى مزق ممزقة، وفصل جنوب السودان خير دليل، ويسير المخطط لتمزيق المتبقي في دارفور، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان، وشرق السودان وشماله، ليسهل عليها إحكام قبضتها والاستفراد بحكم السودان لنهب خيراته ونشر مبدئها القائم على فصل الدين عن الحياة، أما كون أمريكا تريد تحولا ديمقراطيا كما يحلم المتوهمون فهذا مجرد خداع أمريكي وهي تبحث عمن يحقق لها مصالحها أيا كان، وتفضل في ذلك الدكتاتوريين، فالنظام الديمقراطي برمته قائم على الكذب والتضليل، وقد شاهدنا ما حل بمبنى الكونجرس بين أنصار ترامب وأنصار بايدن، فلتعلم أمريكا وكل ملة الكفر أن اندثار عهد الظلام والهيمنة الأمريكية قد بات وشيكاً، وأن أهل السودان قد أدركوا المخطط ويعملون للفظ الوسط السياسي المنتفع التابع للغرب المستعمر.
إن ما يريده أهل السودان هو نظام يحقق لهم العدل والقصاص من الظالمين، ومحاسبة الحكام الفاسدين، وكل من ارتكب جرما في حق البلاد والعباد، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإنصاف المظلومين، وهذا لن يتحقق عبر أنظمة وضعية قائمة على تشريعات الغرب الكفرية، أنظمة تجعل المحاصصة والمصلحة فوق كل اعتبار، لن يتحقق ذلك إلا بنظام يستمد تشريعه من خالق الكون والإنسان والحياة، نظام من الله سبحانه وتعالى القائل: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، إذ أقام الدولة، وحول المجتمع من الانحطاط إلى الرقي وقيادة العالم ثلاثة عشر قرنا من الزمان. واليوم نستطيع القيام بذلك عندما يقوم المخلصون من الضباط في المؤسسات العسكرية بإعطاء النصرة لحزب التحرير الذي يحمل مشروع الأمة، وقد أعد لذلك عدته، وجهز رجال دولة، ودستوراً يبين شكل الدولة، وأجهزة الحكم والإدارة، ونظاماً اقتصادياً فريداً، ونظاماً اجتماعياً عفيفاً، وتربية النشء بأسس تعليم منهجي. إن نمط العيش الذي يتطلع له حزب التحرير سيحول حياة البشرية إلى حياة آمنة مطمئنة، تعيد سيرة الخلفاء الراشدين والقادة الفاتحين إن شاء الله.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
#بالخلافة_نقتلع_نفوذ_الكافر
رأيك في الموضوع