نشأت الأنظمة العربية بعد هدم الخلافة، بدعم من دول الكفر، وكانت هذه الأنظمة أشبه ما تكون بفصائل اليوم، كمجموعات من يسمى شريف مكة الشريف حسين، أو عصابات آل سعود وغيرهم من المجموعات في البلدان العربية، الذين ارتبطوا بالدول الداعمة لهم كفرنسا وبريطانيا، أمثال عملاء السادس من أيار، الذين أعدمهم جمال باشا، وغيرهم ممن أوصلتهم إلى السلطة وحكموا بدساتير وقوانين وضعتها لهم الدول الداعمة، فما أشبه اليوم بالبارحة!
إن الفصائل المرتبطة تنفذ اليوم أجندات الداعمين وخططهم وخطواتهم نحو الحل السياسي الأمريكي المقرر على أساس جنيف والقرار ٢٢٥٤.
كما أقام قادة هذه المنظومة الفصائلية حكومات يحكمها كل فصيل على حدة، كحكومة الإنقاذ والحكومة المؤقتة. وأقام آخرون مناطق نفوذ لهم كأمراء حرب وأخذوا في التضييق على الناس بمساكنهم ومعايشهم عبر فرض الأتاوات والمكوس على المعابر والحواجز والطرقات، كل هذا لإجبار الناس على قبول الحل السياسي الأمريكي الذي يظن البعض فيه الخلاص من هذا الوضع، ولكنه سيجعل أمراء الحرب جاثمين على صدور الناس، فضلاً عن فساد هذا الحل وعجزه عن حل مشاكل الناس لأنه من وضع بشر قاصرين ومستعمرين حاقدين.
ونذكر أهلنا على أرض الشام أن قادة الفصائل قد باعوا التضحيات ورهنوا قرار الثورة للداعمين، وأقاموا إمبراطوريات مالية لهم ولأبنائهم، أما أبناء الشهداء فلا بواكي لهم، وكذلك قام هؤلاء القادة بمنع المخلصين من المجاهدين من فتح الجبهات لتحرير المناطق التي سلموها تنفيذا لسوتشي وأستانة، وما قصة أبي خولة إلا خير دليل.
فهل ثار أهل الشام ليصلوا إلى هذا الحال من سكنى المخيمات بعيداً عن مدنهم وقراهم وبلداتهم ليقطنوا مستوطنات مزرية على الحدود التركية ليطول بهم الزمان أشبه ما يكون بالتغريبة الفلسطينية، ليكونوا عامل تغيير ديمغرافي يحفظ الأمن القومي التركي؟!
هل ثار أهل الشام ليستبدلوا بنظام علماني نظاما علمانيا آخر أو ليستبدلوا بحاكم عميل مستبد أمراء حرب مرتبطين ومستبدين يفرضون الضرائب ويقتاتون على آلام الناس ويعتقلون كل من يصدع بكلمة حق أو ينكر عليهم ظلمهم واستبدادهم؟!
إنه لحريٌّ بأهل ثورة الشام أن يدركوا أن سكوتهم على قادة الفصائل واستبدادهم بالقرار، ومتاجرتهم بقضية الثائرين، يسخط الله ودماء الشهداء التي بذلت، وسيفضي إلى قيام نظام حكم علماني يحقق هذا النظام منه مصالح الدول الداعمة وسيدتها أمريكا وأمراء الحرب، من قادة الفصائل، بينما تذهب تضحيات أبناء الثورة سدى.
ثم إنها ستكون معاناة شديدة من سوء الأوضاع ومزيداً من الفقر والمرض والجهل والعوز، في ظل حكم علماني فاسد في دولة فاشلة أشبه بلبنان والعراق واستبداد حكام كأنظمة الجور التي ثار الناس ضدها.
كما نذكر الثوار المخلصين أن قادة المنظومة الفصائلية ينسقون مع أمريكا وعملائها من الأنظمة لترتيبات الحل السياسي على مراحل، يخدعون الناس ويخدرونهم ليمرروا هذه المراحل. فلا يجوز السماح لهم أن يتصرفوا بمصير الشعب الثائر، فالسكوت عليهم منكر عظيم وإثم مبين.
لقد كانت سياسة أمريكا وعملائها من أنظمة الضرار والجوار، جعل قادة الفصائل أدوات لها لتسليمهم زمام الأمور. وقد شاهدنا كثيراً من الخطوات التي يقوم بها قادة الفصائل يخطبون فيها ود أمريكا ورضاها، ويظهرون لها الاعتدال، ويلتقون بمبعوثيها كمارتن سميث وغيره، ليؤكدوا لها إسلامهم المعتدل بل المعدل.
إن نظام أسد هو أحد عملاء أمريكا، وهي من ساعدته في قتلنا وتدمير بلادنا وتهجير أهلنا، وهي من سلطت علينا أعداءنا و"أصدقاءنا" لحماية هذا النظام المجرم حتى الآن، فكان أن دأبت على مده بأسباب الحياة. وقد أدرك قادة الفصائل ذلك، فأرادوا أن يرضوا أمريكا لتجعل منهم أدوات لها بديلاً عن نظام أسد في حفظ مصالحها وتنفيذ مشاريعها السياسية في بلادنا، وكأنهم لا يعتبرون من قصص التاريخ ونهاية الخونة والعملاء! وكأنهم يعتقدون أن النصر والحل بيد أمريكا وليس بيد الله عز وجل كما تفعل الأنظمة العميلة المستبدة. فالعميل الذي يخون أهله وثورته لا دين له إلا مصلحته، ولا ذمة له ولا ضمير، لأنه باع بدينه عرضا من الدنيا قليلاً.
إن مسايرة أمريكا أو السير في ركابها والقبول بحلها السياسي القاتل ودستورها العلماني هو جريمة بحق الدين والأمة والثورة، ومحاربة لله ولرسوله وللمؤمنين.
ونقول لأهلنا على أرض ثورة الشام المباركة إن الأمر جد خطير وشر مستطير، فتنبهوا يرحمكم الله، وإنه لا خلاص لكم من هذه المأساة إلا بالحل الإسلامي الرباني، والعمل مع العاملين عليه لإقامة حكم الإسلام خلافة راشدة على منهاج النبوة.
كما نذكرهم أيضاً أن نشوء أنظمة الجور الطاغوتية مر بمراحل الفصائلية المرتبطة التي أنتجت هذه الأنظمة الفاسدة، فهل سننتظر حتى تنتج فصائلنا من قادتها نظاماً كالأنظمة التي ثار الناس عليها ودفعوا التضحيات الجسام من دمائهم وأبنائهم للتخلص منها، أم لا بد من استبدالهم والانفضاض عنهم إلى من يصدق الله ورسوله ويخلص للأمة ودينها في قوله وعمله ومشروعه السياسي، الذي يرضي الله ورسوله، ويحقق مصالح الأمة وعزتها؟! فهل من مستجيب أو مجيب؟!
بقلم: محمد سعيد العبود
رأيك في الموضوع