مع بداية انفراج أزمة فيروس كورونا في تونس، شهدت البلاد في العديد من المدن والأرياف عدة احتجاجات وعدة وقفات من مختلف القطاعات، وتتمحور أغلب مطالبها حول سياسة الاستهتار وسياسة عدم المبالاة المنتهجة من حكومة إلياس الفخفاخ والحكومات التي سبقتها تجاه هذه القطاعات وهذه الفئات الهشة لما لحقها من تضرر جراء جائحة كورونا وما قبلها.
وفي هذا الإطار نوه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أن الوضع الإنساني قادر على الانفلات في أية لحظة وأنه ستكون لذلك تداعيات خطيرة.
وتزامنا مع التململ الشعبي والحراك المجتمعي الذي شمل أغلب مناطق البلاد، شهدت الساحة السياسية أيضا عدة مبادرات وعدة اقتراحات سياسية التفافيّة تسعى بالأساس لاحتضان واحتواء الاحتجاجات الشعبية الميدانية، والرأي العام الذي أصبح شبه موحّد حول فشل هذه الطبقة السياسية وهذا النظام السياسي الرأسمالي في السير بالبلاد نحو الأفضل.
من ذلك ما صرّح به الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي في حوار على الإذاعة الوطنية "إن الوضع الحالي غير مطمئن اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. وأن الحل في استفتاء شعبي حول النظام السياسي".
أيضا تصريح محسن مرزوق رئيس حركة مشروع تونس يوم 27 أيار/مايو 2020 في راديو إكسبرس أف أم "الدعوة للجمهورية الثالثة هي الحل الوحيد، ونريد أن يطرح هذا الموضوع في إطار سلمي وفي إطار القانون".
حقا إنه من المضحك المبكي، أن نجد من كانوا في الصف الأول لترميم وتجميل لبِنات هذا النظام المتهاوي نظام المخلوع بن علي ومن سبقه، أن نجدهم اليوم يزعمون رفعهم للواء التغيير ويخرجون علينا من عدة منابر إعلامية سُخّرت لخدمتهم وخدمة مؤامراتهم ودسائسهم ويصرحون بتعفن هذا النظام وبوجوب تغييره.
إن ما ينظّرون إليه اليوم وما يريدون إشاعته من جمهورية ثالثة ومن استفتاء شعبي حول النظام السياسي وتحويل شكله فقط من نظام برلماني إلى نظام رئاسي ومن اعتصامات عدّة للإطاحة بالبرلمان، هي في حقيقة الأمر التفاف ومحاولة بائسة لاحتواء غضب الشارع وامتعاضه من كل تعبيرات ومخرجات النظام الرأسمالي الحاكم، وهي محاولة لتحويل وجهة ما يتراكم من وعي شعبي حول إفلاس هذا النظام العلماني إلى مطالب لا ترتقي حتى إلى أنصاف الحلول أو أشباهها. من ذلك ما صرح به محسن مرزوق رئيس حركة مشروع تونس في إذاعة شمس أف أم يوم 21 أيار/مايو 2020 "أيهما أفضل أن نقوم بتأسيس جمهورية ثالثة أو ننتظر الشعب أن يثور علينا وهنا لا نعلم ماذا ستكون النتيجة؟".
إن ما نعيشه من أزمة سياسية واقتصادية وإنسانية وفي كل ميادين الدولة لم يعد بالمقدور أن يُتستّر عليه ولم يعد بالمقدور لهذه الطبقة السياسيّة البراغماتية الانتهازية إلا أن تُقِر به وبتعفّن هذا النظام حتى وإن كانت هي جزءاً من القرح ذاته.
ولكن هذه الطبقة السياسية العلمانية تعمل في الوقت ذاته لإطالة وتمديد وإنعاش عمر هذا النظام الفاسد المتهاوي المنتهي الصلاحيّة والمحافظة على الدوران في جاذبية فلكه وإن انعدمت، وذلك من خلال هذه الأطروحات الزائفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وما أشبه ما يقولون اليوم بما روّجوا له من قبل إبّان الثورة من عناوين كالمجلس التأسيسي والانتخابات الديمقراطية.
فإلى متى هذا البعد عن التغيير الحقيقي بقلع هذا النظام الرأسمالي من جذوره وإرساء نظام عادل؟! إلى متى هذا الالتجاء إلى نظم وأفكار وضعيّة سقيمة ثبت فشلها عند واضعيها قبل غيرهم؟! أليس حرياً بنا أن نعود إلى إسلامنا العظيم لنفهمه ونجعله الأساس الذي تنبثق عنه الحلول لكل مشاكلنا؟! أفلا يكفينا قول المولى تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾؟!
إن الأزمة الراهنة هي أزمة نظام، نعم هي أزمة نظام أثبت فشلا منقطع النظير، فيجب لفظه ووضع الإسلام موضع التطبيق بشكل فوري انقلابي شامل.
بقلم: الأستاذ ممدوح بوعزيز
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس
رأيك في الموضوع