قبل أيام تجدد النقاش حول إعادة متحف آيا صوفيا إلى مسجد كما كان منذ أن تم تحويله إلى مسجد على يد السلطان محمد الفاتح سنة 1453م، فخلال إحياء الذكرى الـ567 لـفتح القسطنطينية، وبحضور أردوغان، تمت تلاوة سورة الفتح كاملة في آيا صوفيا وذلك لأول مرة منذ تحويلها إلى متحف عام 1935م، فقد قالت صحيفة حرييت التركية يوم الجمعة 5 حزيران/يونيو (إن أردوغان وخلال اجتماع عقد قبل يومين مع أعضاء اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية الحاكم أعطى تعليمات رسمية لمسؤولي الحزب من أجل القيام بدراسة وتقديم مقترحات لإعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد على أن يبقى مفتوحاً للزوار).
كلنا يعلم أن تركيا شهدت منذ سنوات دعوات متصاعدة لإعادة فتح آيا صوفيا كمسجد للعبادة وإطلاق الأذان من مآذنه الأربع الشهيرة، لكن أردوغان رفض مراراً هذه الدعوات، وثمة تصريحات له قبل خمس سنوات قال فيها إنه لن يفكر في تغيير وضع آيا صوفيا (ما دام هناك صرح عظيم آخر مخصص للعبادة في إسطنبول، هو مسجد السلطان أحمد)، كما رفضت المحكمة التركية العليا قبل عدة سنوات طلباً مشابهاً بفتح آيا صوفيا للمسلمين للصلاة. ومما لا شك فيه أن إعادة فتح آيا صوفيا كمسجد هو أمر شرعي ومطلب جماهيري وعمل له أثر كبير في نفوس أبناء الأمة الإسلامية، وبخاصة مسلمي تركيا، الذين يدركون جيدا رمزية هذا المكان؛ فقد شكل في وجدانهم حدا فاصلا بين القسطنطينية معقل الكنيسة الشرقية التي انطلقت منها المؤامرات على البلاد الإسلامية، وبين إسلامبول بلد الإسلام وعاصمة خلافته التي كانت منطلقا للذود عن حياض الإسلام.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتكلم فيها أردوغان عن تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، ففي آذار/مارس الماضي قبيل الانتخابات المحلية قال: (إن آيا صوفيا اكتسب صفة المتحف حديثا، وليس منذ زمن بعيد جدا، ويتوجب إعادة الهوية الأصلية له أولا، ألا وهي المسجد)، وقد عده البعض حينها دعاية انتخابية لحزبه خاصة وأن هذا الكلام جاء بعد الجريمة التي راح ضحيتها أكثر من 50 مصلياً في مسجدَي مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية. وبغض النظر عن كون كلام أردوغان كان دعاية انتخابية، أو محاولة لكسب قلوب قطاع كبير من المسلمين في تركيا، أو كان تعبيرا حقيقيا عما في قلبه ورغبة صادقة في إعادة المسجد كسابق عهده وليس متحفا، فلا يستطيع مسلم أن يرفض هذه الخطوة، أو ينتقدها أو يقلل من شأنها. وإنه وإن كان مفهوما أن تغضب اليونان الصليبية ومن ورائها أوروبا من قراءة القرآن في آيا صوفيا ومن مجرد الحديث عن إعادته كمسجد وإقامة الصلاة فيه، فمن غير المفهوم ومن غير المقبول أن تنجر دار الإفتاء المصرية لذلك المستنقع الآسن فتصف فتح القسطنطينية بالاحتلال العثماني، وتتأسف على تحويل آيا صوفيا إلى مسجد من بعدما كان كنيسة، وترتاح لتحوله إلى متحف!! فقد أصدرت دار الإفتاء المصرية، الأحد 7 حزيران/يونيو، بياناً ومما جاء فيه: (قضية تحويل آيا صوفيا إلى مسجد طُرحت منذ عقود، بيد أنها ظلت أداة وسلاحاً دعائيّاً بيد مختلف السياسيين في حملاتهم لاستقطاب الناخبين، لا سيما المتدينين منهم. وقد بُنيت آيا صوفيا، ككنيسة خلال العصر البيزنطي عام 537 ميلادية، وظلت لمدة 916 سنة حتى احتل العثمانيون إسطنبول عام 1453، فحولوا المبنى إلى مسجد. وفي عام 1934، تحولت آيا صوفيا إلى متحف بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة).
إننا نعرف أن دار الإفتاء هي أداة بيد النظام العميل الذي يحكم بالكفر، ونعرف أن الحكام المتسلطين على رقابنا لا يقيمون لقضايا الأمة وزنا، بل يتاجرون بها لتحقيق مصالحهم... فيا دار الإفتاء إن كنتم تريدون فضح أردوغان وكشفه أمام شعبه فلا تخلطوا الباطل بالحق وأنتم تعلمون، لو قلتم إن أردوغان رئيس علماني لا يحكم بما أنزل الله لصدقتم، ولكنكم تخافون، فوصفكم هذا ينسحب على السيسي ولي أمركم، ولو قلتم إنه يبطش ويعتقل وينكل بمعارضيه خاصة بعد محاولة الانقلاب عليه لصدقتم، وكذلك السيسي يفعل. فإذا كانت مشكلتكم مع أردوغان فأنتم وذلك، ولكن أن تكون مشكلتكم مع الإسلام فتلك هي والله الطامة الكبرى، وإنها والله لإحدى الكبر؛ أن تروا أن فتح بلد ما ودخوله في الإسلام إنما هو احتلال! وأكبر منها أن تصفوا فتح القسطنطينية التي بشر بفتحها رسول الله ﷺ بأنه احتلال، وهو الفتح الذي ظل حلم المسلمين طوال ثمانية قرون، طلبه الأمويون والعباسيون ولم يظفر به سوى العثمانيين، فكان نعم الأمير أميرها ونعم الجيش ذلك الجيش.
ألهذه الدرجة تكرهون تحول كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد وتتأسفون على ذلك، وفي الوقت نفسه لم تحزنوا على تحويل مسجد كبير له رمزية عظيمة في تاريخ الأمة إلى متحف، ذلك أنكم قد تلطفتم كثيرا في العبارة فأعطيتموها روحا قانونية عادلة بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة؟! وكأنكم لا تعرفون ما فعلته هذه الجمهورية من إجرام في حق الإسلام والمسلمين، أقلها تحويل مسجد إلى متحف، وأكبرها تطبيق أحكام الكفر على المسلمين ومحاربة كل مظاهر الإسلام في تركيا.
أن يأمركم سيدكم وولي أمركم بالهجوم على أردوغان فهذا شأنكم، ولسنا معنيين بالدفاع عنه، بل نحن من يتصدى له كونه يحكم بالكفر، ونكشف خططه التي يقوم بها للحفاظ على مصالح أمريكا في سوريا وليبيا وغيرهما، وهذا ديدننا مع كل نواطير الغرب في بلادنا، فقضيتنا هي إزالة كل أنظمة السوء التي تحكم بلاد المسلمين واستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، وتحرير بلاد المسلمين من عملاء الغرب الكافر في بلادنا. قال تعالى: ﴿... وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾، قال ابن عباس وأبو رزين وغير واحد، أي: حكماء علماء حلماء. وقال الحسن وغير واحد: فقهاء، فهل هذا هو علمكم وحلمكم وفقهكم؟! ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾.
رأيك في الموضوع