يصر نظام السيسي على الاستدانة من الخارج والداخل بشكل مفرط لم يسبق له مثيل لا يستطيع أن يتحمل عواقبها الاقتصاد المصري، ظنا منه أن هذا هو السبيل لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها. فكل ما يفكر فيه هو إطلاق مشروعات ضخمة لأغراض سياسية ودعائية دون دراسة جدواها أو معرفة حاجة السوق الفعلية لها، وأقرب مثال على ذلك هو العاصمة الإدارية الجديدة ومشروع توسعة قناة السويس، والملاحظ أن السيسي إذا أعجب بمشروع فبدلاً من أن ينطلق فيه بحجم خط أو خطي إنتاج فهو يقوم بمضاعفة حجم إنتاجه وهذا ما حدث مع مصنع إسمنت بني سويف حين قال الجيش إن المصنع يحتاج إلى خطي إنتاج فقط لكن السيسي أصر على وجود 6 خطوط إنتاج ما أدى لخلق زيادة كبيرة لسعة الإنتاج لا توازي الحاجة الفعلية للسوق، الذي تم إشباعه أصلاً، وبالتالي حمل الجيش تكاليف إنشاء مصنع أضخم بثلاثة أضعاف عن الحاجة ما تسبب في خسائر مستمرة. هذا المثل يمكن تعميمه على الاقتصاد المصري ككل.
من الواضح أن السيسي كان يراهن على استمرار الدعم غير المحدود من دول الخليج والغرب حتى لو كان لديهم يقين تام أنه يبتزهم، فهو على يقين أنهم مضطرون لدعمه والاستمرار في ضخ الأموال لإنعاش الاقتصاد المصري. فما يخيف أوروبا وأمريكا دائماً هو قيام نظام سياسي حقيقي ينتمي لحضارة الأمة وثقافتها يقوده مخلصون لله ولرسوله، فهم يريدون مصر أن تكون مستقرة وخاضعة لتضمن من جهة أمن وسلام كيان يهود ولضمان سريان المعاهدات وخصوصاً معاهدة السلام مع يهود، وأيضاً عدم خلق مصدر تهديد للجوار ومنه دول الخليج؛ التي تخشى من ثورة جديدة في مصر تأتي بنظام جديد لا يخضع لإملاءات الغرب.
وبرغم أن دول الخليج تنفذ ما تطلبه أمريكا منها، لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى مصر كصمام أمان وألا تكون مثالا يحتذى من شعوبها التي تتوق إلى التحرر من تلك الأنظمة الوظيفية، وبالتالي سيبقى هؤلاء قيد الابتزاز، وسيظل السيسي يراهن على هذا النمط من الابتزاز السياسي والاستراتيجي بأن هذه الجهات الداعمة ستضطر عاجلا أم آجلا إلى إطلاق التمويل لمصر خوفاً من انهيار نظامها.
حالياً بدأت دول الخليج تتأخر وتتلكأ في زيادة استثماراتها، ولم تعد مستعدة لأن تمنح دون مساءلة أو محاسبة. أصبحت هناك ممانعة خليجية في أن يتم إعطاء هبات مجانية لنظام مهلهل لا يشبع ولا يظهر في الأفق أنه قابل للاستمرار. ففي 18 كانون الثاني/يناير الماضي، كشف وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن استراتيجية جديدة ستعتمدها بلاده في تقديم المنح والودائع لحلفائها. إذ قال خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي "إننا اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة من دون شروط، ونحن نغير ذلك. نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات". وتابع "نحن نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر ذاته. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم".
وكان السيسي قد زار السعودية في 2 نيسان/أبريل الماضي بعد سجال إعلامي حاد اندلع بين كتاب مصريين وسعوديين مقربين من دوائر الحكم. وحسبما نقلت وول ستريت جورنال فإن "زيارة السيسي لم تسفر عن أي وعود تمويل فورية من السعودية لمساعدة مصر في أزمتها". بل أشارت الصحيفة إلى مجموعة من الشروط التي وضعتها الرياض مقابل المساعدات. وبحسب التقرير، تتضمن أبرز الشروط التي طلبتها دول الخليج من القاهرة للموافقة على خطط الإنقاذ المالي:
تقليص مشاركة الجيش في الاقتصاد، وترك مساحة أكبر للقطاع الخاص، وهو ما طالبت به مؤسسات تمويل دولية أبرزها صندوق النقد خلال السنوات الماضية. ومن المحتمل أن تسمح للشركات الخليجية بالاستحواذ على حصص في قطاعات النمو في مصر. كما يأتي تخفيض قيمة الجنيه على رأس الشروط المذكورة. فبالرغم من انخفاض العملة بأكثر من 40٪ مقابل الدولار الأمريكي، يرى الخليجيون أن سعر الجنيه لا يزال مبالغاً فيه، وفقا لما نقلته الصحيفة الأمريكية.
فهل يمكن أن تدار بلد بحجم مصر بتلك العقلية التي تبيع أصول الدولة وتستمر في الاستدانة بشكل مفرط وتعتمد على ابتزاز الآخرين من أجل الحصول على أموال لتنفيذ مشروعات ضخمة لا يستفيد منها المواطن البسيط شيئا؟! إن الواجب على المخلصين في مصر التحرك بجدية للتخلص من نظام السيسي واستبدال نظام رب العالمين به، وهو نظام الخلافة الذي يستطيع وحده ليس فقط إنقاذ مصر بل إنقاذ البشرية من وحل الرأسمالية العفنة التي تسيطر على العالم اليوم.
رأيك في الموضوع