بعد إعادة النظام المجرم إلى مقعده في جامعة الدول العربية وكشف المواقف الحقيقية التآمرية لهذه الأنظمة تدخل ثورة الشام مرحلة جديدة تتمايز فيها صفوف الصادقين من صفوف المنافقين المخادعين في الداخل والخارج فكأنها تنفي خبثها وينصع طيبها.
أما على مستوى الخارج فبعد تصريحات قادة الدول ووزراء خارجيتهم ممن زعموا صداقة الشعب السوري ودعم ثورته ووجوب أن يرحل النظام المجرم وإلا سيرحلونه بالقوة، ها هم يلعقون تلك التصريحات ويستبدلون بها أن الحل في مصالحة النظام والتطبيع معه وإعادة المهجرين الذين هجرهم النظام إلى مناطقهم دون سؤال أو محاسبة عن الأعراض التي انتهكت والمعتقلين الذين غيبوا والمجازر التي ارتكبت بالكيماوي والبراميل المتفجرة والدماء التي سفكت والأموال التي نهبت والمدن التي دمرت... كل هذا غيبوه عن أذهانهم لأنهم والنظام المجرم من طينة واحدة؛ فهم عملاء أذلاء لأمريكا التي وزعت عليهم أدوار الخداع والدجل على الثورة، كما أوعزت لإيران ومليشياتها بمساندة النظام، وأعطت الضوء الأخضر لروسيا بمناصرته بالقوة الجوية، فيما ذهبت هي تمارس هوايتها في التصريحات الرنانة الفارغة في دعم الثورة والتنديد بالنظام وصنعت مليشيا (قسد) لتكون خنجرا في خاصرة الثورة وملهاة عن قتال النظام، ومنعت عن الثورة كل سلاح فتاك يمكن أن يؤثر على سير المعارك.
لقد حذرنا في بداية الثورة من الركون أو الوثوق بهذه الأنظمة ومن يشغلها من دول الغرب المستعمر الكافر، ولكن قليلاً من سمع نداء العقل، والأغلب ممن لهث وراء الدعم من المال السياسي المسموم متغافلين عن قول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾.
أما على مستوى الداخل فها هم كثير من قادة الفصائل الذين استقطبوا أبناء الأمة بشعار الجهاد في سبيل الله وإسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه وإقامة شرع الله وتحكيم شريعته، وبعد أن استشهد عشرات الآلاف من خيرة أبناء الأمة وقتل النظام أكثر منهم من النساء والأطفال والشيوخ وهجّر منهم الملايين، ها هم يقبلون بالحل السياسي الأمريكي المذل الذي يجعلهم شركاء لهذا النظام بفتات سلطة كان يعطيها لمن يصفقون له دون ثورة ولا تضحيات.
إن القبول بالحل السياسي الأمريكي وقراره رقم 2254 هو بيع لكل تلك التضحيات وخيانة لله ورسوله وللمسلمين، وخيانة للشهداء والمعتقلين والأعراض التي انتهكت، ولأجل تنفيذ استحقاقات هذا الحل السياسي أشعل الاقتتال بين الفصائل حتى تمت تصفية أغلبها قتلا واعتقالا وتشريدا وتفكيكا ليقدّم المنتصر أوراق اعتماده للقوى الكبرى عله يحافظ على ما غنمه من ثروة في هذه الثورة. كما سلمت أغلب المناطق المحررة بمعارك استنزاف وهمية قتل فيها المخلصون من المجاهدين الذين تركوا لسبيلهم على الجبهات دون دعم عسكري أو لوجستي من قيادتهم المتآمرة. كما فتحت المعابر التجارية والإغاثية لتكون بواكير أعمال تطبيعية مع النظام. وأنشئت حكومات تقوم بالتضييق على الناس بفرض الضرائب والمكوس والرسوم على كل شيء ليمل الناس ويكرهوا ثورتهم وينظروا إليها أنها هي سبب بلائهم وفقرهم وتشريدهم في المخيمات فيفكروا بالمصالحات.
ولم يكتف قادة الفصائل وحكوماتهم بهذا الحال بل من أجل استكمال استحقاقات المصالحة والتطبيع مع النظام لا بد من إعادة الناس إلى مربع الخوف الأول الذي خرجوا عليه وإسكات أي صوت حق يرفض المصالحة والتطبيع مع النظام وخنق كل صوت حر شريف واع ومخلص يكافح هذه المؤامرات التي تماهى الخارج مع الداخل فيها بعد عودة النظام المجرم إلى جامعة الدول العربية وخطوات التطبيع التركية، فكانت الهجمة الشرسة الأخيرة على حزب التحرير وعلى المستقلين من المجاهدين الذين يريدون فتح الجبهات، بالاعتقالات والمداهمات بطريقة تأباها أخلاق الجاهلية فضلا عن أخلاق الإسلام فكسرت الأبواب واقتحمت البيوت ودخل إلى غرف النوم وهتك ستر الحرائر ونهبت الأموال وانتهكت كل المحرمات... هذا الجنون يدل على عبيد ينفذون أمر أسيادهم لعلهم يقبلونهم في مجتمعهم الدولي الكافر المنحط.
نعم هذا البلاء الذي حل بأهل الشام ليميط اللثام وليميز الخبيث من الطيب والمنافق من الصادق فتتمايز الصفوف بين من يريدون الحياة الدنيا ومن يريدون الله والدار الآخرة، قال تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.
أيها المسلمون يا أهل ثورة الشام: إن ثورتكم أمام مرحلة مفصلية وأمام مفاصلة ومنازلة كبرى بين من يريد حرفها والقضاء عليها وإعادتنا إلى حظيرة النظام المجرم وبين من يريد إيصالها إلى هدفها الذي يرضي الله ورسوله ﷺ ويحقق صالح الأمة والمسلمين، فانظروا يرحمكم الله أي الفريقين تختارون ومن تنصرون؟ فالأمر جد لا هزل وخطر لا سهل، واعلموا أن الله ناصر دينه ومظهر أولياءه كما قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
بقلم: الشيخ محمد سعيد العبود (أبو مصعب الشامي)
رأيك في الموضوع