ابتداء ليس من الحق في شيء أن يدعي من لا يملك حقا على الخلق، لا إيجادا ولا غاية ولا مصيرا ولا حياة ولا موتا ولا بعثا ولا نشورا ولا حسابا ولا ثوابا ولا عقابا ولا جنة ولا نارا، ولا قضاء ولا قدرا ولا نفعا ولا ضرا ولا رزقا ولا تسخيرا، ولا سماء ولا أرضا ولا ضياء ولا نورا ولا شمسا ولا زمهريرا ولا ليلا ولا نهارا، ولا خلفة ولا نسلا ولا ضرعا ولا زرعا، بل هو أحقر من أن يخلق ذبابا وأحقر منها أن يسترد مسلوبه منه؛ ليس من الحق أن يدعي أنه الجهة المنوط بها تعيين الحقوق وتحديدها وأنه الجهة المخول لها سنها قانونا وتشريعا وتصريفها سلبا وإيجابا ومنعا وعطاء وثوابا وعقابا لنظرائه وأشباهه من البشر.
ونعني بالحق أو الحقوق تلك المصلحة أو المصالح التي يتم تعيينها وتحديدها كمصالح، ويتم إقرارها للفرد والجماعة وتسن من أجلها التشريعات والقوانين ويترتب عليها الجزاء والعقاب وتبنى على أساسها أنظمة الحياة وطرائق العيش.
فكيف يعين ويحدد مصلحة الخلق من هو أعجز على تعيين وتحديد مصلحة نفسه، وهو فرد منهم يعتريه ما يعتريهم من عجز وقصور وخمول وفتور، فكيف بتعيين وتحديد مصالح الخلائق كلها على تعقيدها وتركيبها وتشابكها وتضاربها واختلافها بل وحتى تناقضها وعقله القاصر المحدود لا يحيط بهم علما لا إيجادا ولا تقديرا؟!
ثم كيف يقر أمر المصلحة مَن جهل المصلحة وجهل أمر حاجة صاحبها، كيف له أن يقرها ويسنها قانونا وتشريعا؟! فالجهالة معرفيا كالعدم لا تنتج مفهوما ولا ينبني عليها فكر ولا يتولد عنها قانون وتشريع ولا يترتب عنها جزاء أو عقاب.
فهذا الادعاء الباطل المتهافت من عاجز قاصر لا يملك حقا على الخلق، في زعمه المتهافت الإحاطة علما بأقرانه من البشر بحاجاتهم وغرائزهم ومقتضيات وشروط وضرورات اجتماعهم وأنظمة مجتمعهم، ثم يتمادى في جعل نزغاته وأهوائه الفردية المتضاربة المتشاكسة منظومة قيم وقانون حياة لهم زاعما إياها حقوق إنسان، ثم يتمادى في تجاوزه لظروف وزمان ومكان نزغاته وأهوائه، والزمان والمكان هنا هو الزمان والمكان الأوروبي الغربي لعولمتها وفرضها على العالم والبشرية جمعاء!
هذا التطاول والتمادي في المحاولة عبثا تجاوز قصور الإنسان وعجزه، هو أس البلاء ومكمن الداء وهو الشر المستطير الذي نسف القيم باسم القيم واستعبد البشر باسم الحرية وطمس العقول باسم العقلانية وألحد في الخالق ليؤلّه المخلوق وشرعن الظلم باسم الحقوق وتنكر للوحي باسم كفر العلمانية وضلال حقوق إنسانها.
هذا الاستكبار الأرعن والجهالة السوداء، جعلت من الحق الكفر بصاحب الحق، وزعمتها للغوغاء حرية عقيدة، وجعلت من الحق التطاول على صاحب الحق ورسله وأنبيائه ووحيه، بل وجعلت من السفالة والبذاءة وكل زيغ وإفك وتجديف كلمة ورأياً وزعمتها للغوغاء حرية رأي، وجعلت من معصية الخالق ومحادّة شرعه وتعدي حدوده والإتيان بالمحرمات والفواحش ما ظهر منها وما بطن على مستوى الفرد والجماعة أنظمة حياة وطرائق عيش وزعمتها للغوغاء حرية شخصية، ثم جعلت من أكل أموال الناس بالباطل حقا فكان الربا والمراباة والميسر والقمار والغبن والاحتكار والاستعمار وسرقة الجهود وغمط الحقوق ونهب الثروات والطمع في كل شيء حتى في الطمع عينه ثم زعمتها للغوغاء ليبرالية اقتصادية واقتصادا حرا.
ثم جعلت من كل هذا الغي والضلال والشر المقطر قانونا وتشريعا وكدت وجهدت في نشره وعولمته. وهكذا تم سلخ البشرية باسم حقوق الإنسان من حق ربها وحقيق عدله وألبست باطل الغرب وحقيق كفره وظلمه، فانتقض أمرها وعددت لها شرائع الباطل بعدد هوى وزيغ كفرة مشرعي الغرب، فصيروا لها اللواط والسحاق زواجا والزنا عِشرة وملاذا وأبناء السفاح والزنا نسلاً وخلفا، والشاذين قدوة وسادة واللصوص أمناء مستوزرين والخونة ملوكا ورؤساء وقادة، والفجار والمنافقين وعّاظاً ومرشدين وسفلة السفلة فنانين ومبدعين، والأفاكين المرجفين أصحاب رأي وقلم والكذابين المضلين إعلاميين؛ فشهدت البشرية مأساتها الكبرى وعاشت كارثتها القصوى وأضحى إنسانها حطاما بشريا، وكانت بحق حقوق الإنسان الغربية العلمانية أشد إفسادا من الفساد كله وأشد فتكا ودمارا للبشرية من كل وباء.
هما حالتان اثنتان لا ثالث لهما تتعاوران حياة البشر ما تعاقب الليل والنهار، واختفت أمصار وظهرت أخرى واندرست أجيال وتناسلت أخرى؛ حالة الهدى وحالة الضلال، حالة الحق وحالة الباطل، حالة الإيمان وحالة الكفر، وما كانت حضارة الغرب ومنظومتها المشؤومة وحقوق إنسانها الملعونة إلا حالة كفر وضلال وباطل محض، وما كان الإسلام العظيم إلا حقيق الحق وتمام الهدي وكمال الشريعة ومنتهى الخلاص.
أما الأنكى فهو أن يتنكب فريق من أهل الإسلام العظيم أهل الحق طريق حقهم ويزيغوا عن هديهم، ويبتغوا الحق والخلاص في كفر وباطل وضلال الغرب، فهي لعمرك قاصمة الظهر وماحقة الدين والدنيا. لمن سحقهم الواقع العلماني العفن الذي نحياه فارتكسوا إلى الأرض، نقولها لكم قولا فصلا: ثوبوا إلى رشدكم واستقيموا على أمر ربكم، فليس بعد الإسلام إلا الضلال وليس لها من دون الله كاشفة.
ليست العلمانية وحقوق إنسانها خيارا من الخيارات بل هي كفر وضلال ومحق للدين وخسران مبين، وليس الإسلام العظيم حقيقة من الحقائق ولكنه الحق المبين وكل ما دونه باطل، ليس الإسلام دينا من الأديان بل هو الدين وما دونه كفر وضلال وشرك عظيم.
صدق الله العظيم وكذب المتنطعون المتهوكون؛ ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
رأيك في الموضوع