بقلم: د. نبيل الحلبي – غزة – الأرض المباركة (فلسطين)
مُورس في قضية فلسطين كثير من التضليل والتزييف والانحراف، ولإزالة اللبس الذي علق بهذه القضية؛ لا بد من تحديد بعض المعالم التي ينبغي أن لا تغيب عن أذهاننا ووعينا حين التعاطي معها، وهذا يقتضي التوطئة التالية:
- إن التعاطي مع أي قضية يجب فيه الرجوع إلى الشرع، فلا يستقيم بحال من الأحوال أن نحسن عبادتنا لله ثم نطالب بتطبيق شرعة أبي جهل أو ما يسمى بالشرعية الدولية ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾.
- السياسة في ديننا يجب أن تنبثق من الشرع وليست "خذ وطالب" ولا "الغاية تبرر الوسيلة".
- معالجات الإسلام للقضايا هي معالجات جذرية، وليست ترقيعية.
وبناء على ما سبق لا بد من الانتباه إلى الإضاءات التالية حين التعاطي مع قضية فلسطين:
أولاً: العداء بيننا وبين يهود؛ ليس عداء على مشكلة من المشاكل تُحل بالتفاهم، وليس على ثأر موروث يُتناسى مع الأيام؛ بل هو عداء عقائدي منذ أن بُعث محمد ﷺ بالرسالة، ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾، قال حيي بن أخطب عندما تثبت من النبي ﷺ "لأعادينه ما بقيت"، وقالها أيضا للنبي r والسيف على رأسه بعد الحكم بقتل المقاتلة من بني قريظة "والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكن من يغالب الله يُغلب"، وكانت عداوة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة ظاهرة، حيث تآمروا على قتل النبي r في بني النضير، فحاصرهم النبي r وأجلاهم، ونزل في ذلك قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّواْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ يَا أوْلِي الْأَبْصَارِ﴾.
ثانيا: كيان يهود هو مشروع الغرب في بلادنا، حيث لم يسلّم الغرب بالهزيمة التي حصلت للدولة الرومانية في بلاد الشام؛ فكانت الحملات الصليبية ثم حملات التبشير والغزو الفكري ثم الاستعمار السياسي والعسكري. ولاستمرار سيطرة الغرب على المنطقة عقدت الدول السبع التي كانت متحكمة في الموقف الدولي وعلى رأسها بريطانيا بزعامة رئيس وزرائها كامبل بنيرمان، مؤتمراً 1905-1907، تم الاتفاق فيه على زرع جسم غريب في المنطقة يكون ولاؤه للغرب، ويوجد حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، ومن مهام هذا الكيان:
- إعاقة تواصل الأمة ومنع وحدتها في دولة واحدة.
- إلهاء المسلمين عن عدوهم الأصلي بحصر الصراع في المنطقة مع يهود دون الغرب الصليبي.
فالتقى بذلك مخطط الغرب مع طموح يهود وحصل الزواج النكد، فكان وعد بلفور وقامت بريطانيا بتنفيذه.
فهل بعد هذا يُنادى بالحماية الدولية وتسليم أوراق حل القضية للغرب الكافر؟!
ثالثاً: ساعدت الأنظمة العربية التي نشأت بعد حالات الاستقلال المزيف، حيث خرج المستعمر من بلادنا بخيله ورجله بعد أن سلم البلاد لعملاء ووسط سياسي يعمل على تنفيذ مصالحه، فعلى مستوى الحروب؛ سلموا فلسطين وبجيوش عربية سبعة وبهالة من النصر، سلموها لكيان يهود عام 1948، وتم تسليم البقية الباقية في حرب الأيام الستة عام 1967، وانقلب انتصار الجيش المصري عام 1973 إلى مفاوضات ذليلة مع يهود.
أما على مستوى مؤتمرات القمة فقد تم إنشاء منظمة التحرير في مؤتمر الإسكندرية عام 1964، وكان مؤتمر اللاءات الثلاث (لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات) في الخرطوم عام 1967، ثم كان مؤتمر الرباط عام 1974 الذي تم فيه الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وبالتالي تخلوا عن مسؤوليتهم عن فلسطين وحولوها إلى قضية وطنية، وفي عام 2002 كانت المبادرة العربية للسلام في بيروت، والتي تتكلم عن دولة فلسطينية في حدود 1967، ما يعني التنازل عن المحتل عام 1948.
ومما قاله هاني الحسن أحد أقطاب المنظمة في خطابه أمام الجمعية الراديكالية لحزب المحافظين عام 1989: "أستطيع أن أقول لكم بدون خوف إن قيادة التيار الرئيسي في منظمة التحرير كانوا منهمكين في الجزء الأكبر في السنوات العشرين الماضية لتحضير الأرضية للوصول إلى حل سياسي عن طريق التفاوض مع (إسرائيل) منذ عام 1968"، ثم كان المؤتمر الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 الذي تم فيه إعلان الاستقلال الذي يعني التنازل عن 78% من أرض فلسطين، ثم كانت أوسلو 1993 إلى أن وصلت إلى التنسيق الأمني المقدس!
فهل بعد ذلك يتم الركون إلى هذه الأنظمة؟!
رابعاً: قضية فلسطين قضية إسلامية بامتياز، فتحها الفاروق عمر رضي الله عنه، وحررها من الصليبيين صلاح الدين رحمه الله، وحافظ عليها السلطان عبد الحميد رحمه الله.
هي قضية يمكن اختصارها في آية وحديث؛ ﴿سُبْحَانَ الَذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾، وهذا الربط يعني وجوب الدفاع عن الأقصى وعموم فلسطين كما يدافع عن المسجد الحرام، وهذا واجب على كل المسلمين، وأما الحديث فقول النبي ﷺ: »لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى« وهذا يعني أنه إذا وجد عائق يحول دون تمكين المسلمين من شد الرحال إلى المسجد الأقصى؛ فإنه يصبح واجباً على المسلمين أن يعملوا على إزالة هذا العائق وهو كيان يهود في هذه الأيام.
وعليه؛ فقضية فلسطين هي قضية إسلامية رسمت ملامح تاريخها الأحكامُ الشرعية، وهي ليست سلعة للتفاوض ولا بقعة للتقاسم.
خامساً: مارست الأنظمة الخائنة عبر إعلامها المبرمج عملية غسيل دماغ لشعوبها، عبر إطلاق عبارات مثل: "إسرائيل لا تقهر"، "إسرائيل دولة نووية"، "لا بد من إحداث توازن استراتيجي مع إسرائيل ومن يفكر بمحاربتها جاهل في السياسة"، وغيرها من العبارات، وذلك لتيئيس الشعوب حتى تستسلم لدولة يهود وتعترف باغتصابهم لفلسطين، وترضى بمواقف الحكام الخيانية وأنه ليس بالإمكان أكثر مما كان.
ولكن أكدت الأحداث منذ عام 1948 في باب الواد، مرورا بالكرامة 1968، وبأكتوبر 1973، وجنوب لبنان، والحروب المتكررة على قطاع غزة، أن كيان يهود لا يصمد في حرب حقيقية وأنه لم ينتصر يوماً إلا في دهاليز السياسة وأوكار الخيانة والعمالة، وأن العد العكسي لاقتلاع هذا الكيان يبدأ من لحظة القناعة عند الشعوب أنه كيان مصطنع، وأنه أوهن من بيت العنكبوت، ولا عمق استراتيجي له، ثم تتحرك الأمة بكل قواها الحية وعلى رأسها الجيوش لتعيد عين جالوت من جديد، وحطين بنسختها الثانية فتمتزج صيحات الله أكبر مع هدير الطائرات ودويّ المدافع وزحف الدبابات، فيكون اللقاء مع هذا الكيان وجهاً لوجه، حينها سننسي إخوان القردة والخنازير وساوس الشيطان، ونقتلع كيانهم من جذوره ونقرأ من على منبر الأقصى ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
رأيك في الموضوع