أعلن رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون الخميس 16/9/2021م، أنّ بلاده فسخت عقداً ضخماً أبرمته مع فرنسا في 2016 بقيمة 65 مليار دولار لشراء غواصات تقليدية، لأنّها تفضّل أن تبني بمساعدة من أمريكا وبريطانيا غواصات تعمل بالدفع النووي. وبرغم الضرر الذي أصاب فرنسا من صفقة الغواصات الثلاثية بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا بعد توقيع الأطراف الثلاثة معاهدة أوكوس الدفاعية، والذي استدعى تصعيدا غير مسبوق من فرنسا تجاه أمريكا وأستراليا، فقد استدعت فرنسا سفيريها من البلدين بعد أن صرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بأن ما حصل هو "طعنة في الظهر"، إلا أن تلك الصفقة قد عززت من قوة أمريكا وحلفائها في مواجهة الصين.
في المقابل عبرت الصين عن رفضها لـ"التحالف النووي الثلاثي"، الذي يسمح لأستراليا بامتلاك وتصنيع الغواصات النووية محليا بدعم أمريكي بريطاني، وحذرت من أن سباق التسلح في المنطقة سيسير بوتيرة متسارعة، مؤكدة أن أمريكا وبريطانيا تعملان على استغلال الأسلحة النووية لتحقيق مكاسب جيوسياسية.
تمتلك الصين ثالث أقوى جيش في العالم، لكن أسطولها الحربي يصنف في المرتبة الأولى عالميا، وتحتل قوة الغواصات الصينية المرتبة الأولى عالميا بـ79 غواصة، وتمتلك الصين 123 سفينة دورية و36 كاسحة ألغام بحرية. وبالإضافة إلى الوحدات البحرية، فإن الأسطول الصيني يمتلك أسراباً من الطائرات الحربية، التي يمكنها الهبوط والإقلاع على متن حاملات الطائرات.
ومن هنا فإن تخوف أمريكا وحلفائها من صعود قوة الصين، يدفعها لمناكفة الصين واتخاذ سياسة أكثر عدوانية تجاهها، ولعل صفقة الغواصات النووية تلك تعزز من قوة تحالف أمريكا في وجه الصين التي تحاول السيطرة تماما على بحر الصين الجنوبي التي تسعى بجد لجعله بحرا صينيا خالصا.
في منتصف التسعينات، استقرت السياسة الخارجية الأمريكية على تصنيف الصين كقوة مزاحمة لها وتم تبني سياسات لتقييد صعودها. وفي عهد كل من كلينتون وأوباما اتبعت أمريكا سياسة احتواء الصين، وفي عهد الإدارات الجمهورية لبوش الابن وترامب اتبعت سياسة أكثر عدوانية في احتواء الصين. وقام ترامب بالتحشيد لحرب تجارية مفتوحة معها. وقد التزمت أمريكا طوال تلك المدة بسياسة الاحتواء مع تغييرات طفيفة في بعض التدابير لكبح طموحات الصين. ومع ذلك، فإنه بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، والحروب الكارثية الأمريكية في أفغانستان والعراق، والخروج المذل لها من أفغانستان، فإن رئيسها بايدن يبدو أنه يسير على خطا ترامب في مواجهة الصين، فقد أدركت إدارته أن سياسة الاحتواء للصين لم تكن كافية ويبدو أنها قد قررت تجاوزها.
يعتبر بحر الصين ومضيق ملقا مهمّين للصين وذلك بسبب مرور أكثر من 60% من احتياجاتها من الطاقة عبرهما، وأصبحت العقدة التي تؤرق أمن الطاقة الصيني مقولة "من يسيطر على مضيق ملقا يستطيع التحكم بممرات ومسالك الطاقة الصينية"، ومن هنا فإن محاولات أمريكا مستمرة لتطويق الصين في البحر الجنوبي، عبر انتشار عسكري واسع النطاق في المحيطين الهندي والهادي، مع تسليح تايوان واليابان وكوريا الجنوبية، ودعم النزاع بين الصين والدول المطلة على البحر وتعزيز قوة أستراليا البحرية من خلال الغواصات النووية التي تتميز بالقدرة على المناورة والتجسس والاستمرار لفترات طويلة في المياه دون الحاجة للتزود بالوقود. مقابل ذلك تعمل الصين من جهتها على فك هذا الطوق من خلال توسيع انتشارها العسكري في بحر الجنوب الصيني، وبناء الموانئ وعقد الاتفاقيات التجارية مع الدول المجاورة والقريبة من حدودها البحرية. كما تخطط لعسكرة الجزر والشعاب في المنطقة، واستغلال حقول النفط والمعادن، وبناء مفاعلات نووية فيها.
كما أن الصين لديها أدوات أخرى تستعملها في هذا الصراع؛ أبرزها سندات الدين الأمريكي وشركة هواوي وتدشين طريق الحرير، وهي تحاول من خلال تلك الأدوات إفشال المحاولات الأمريكية لاحتوائها أو ضربها في الصميم، وهي تؤكد على أنها على استعداد لخوض حرب إذا تعرضت لما يضر بمصالحها. ولكن هل هذه الأدوات التي تمتلكها الصين قادرة على الوصول بها إلى إزاحة أمريكا من مقعد الدولة الأولى، أم أنها تمكنها فقط من الوقوف في وجه العقوبات الاقتصادية الأمريكية، أو منع أمريكا من التفكير في شن هجوم عسكري ضدها؟
قد تكون أمريكا هذه الأيام في حالة من الاعتلال والتراجع خاصة بعد خروجها الذليل من أفغانستان، ولكن هذا لا يعني أن الصين مُحصنةٌ من أمراض داخلية تخصُّها قد تكون أشد فتكا، حيث لا تزال الطبقة الوسطى المُحْدَثَة فيها في حدود المائتي مليون بينما قرابة المليار هم من الطبقة العاملة الفقيرة. كما لا يمكنها الانشغال بالهيمنة على العالم بينما هي منشغلةٌ بالتجسس على شعبها.
إن البديل المتوقع والقادر على إدارة الصراع لصالحه، هو دولة مبدئية بحجم دولة الخلافة، استطاعت في السابق إدارة الصراع لصالح الأمة فكانت الشمس المشرقة والقمر المنير الذي سطع على البشرية، وأخرجت البشرية من ظلمات الكفر والجهل وحكم الطواغيت إلى نور العدل الإلهي، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. ولكن الكفر لم يهدأ يوما ولم يتوقف، فظل الصراع محتدما لقرون، ماديا وفكريا. وإنه وإن كانت الدولة الإسلامية قد تعرضت لبعض الهزائم في بعض المعارك، إلا أنها بما تملكه من قوة العقيدة وعظيم الأفكار كانت ما تلبث أن تعود فتنتصر في حربها مع الكفر ودوله.
ولكن عندما هدم الكفار دولة الإسلام هيمن الكفر على العالم، وأعاد البشرية لظلمات الكفر والجهل مرة أخرى، وإن الأمة اليوم قد أدركت بعدما أصابها من ذل ومهانة على يد تلك الأنظمة التي تشكلت على عين الاستعمار بعد هدم دولة الخلافة، أدركت أن لا عزة ولا كرامة لها إلا بما صلح به أولها، دولة الإسلام. فهي وحدها القادرة على التصدي لدول الغرب والشرق المتجبرة. وإن العالم الذي يكتوي بنار الرأسمالية اليوم وصراعاتها من أجل الهيمنة والنفوذ، يتطلع لدولة العدل التي تحمل المبدأ الوحيد الصحيح القادر على إخراجها مما هي فيه.
إن طريقة العيش الإسلامية، كاملة ونقية، هي وحدها التي تعيّن للبشرية كيفية اتخاذ مقياس الأولوية بين قيمهم، وكيفية حل المشاكل الإنسانية الأساسية، وكيفية إيجاد السلام والأمن في الدنيا.
نسأل الله أن تقوم دولة الإسلام قريبا لتقود البشرية لما فيه الخير.
رأيك في الموضوع