ألقى الرئيس التركي أردوغان كلمةً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ76 تناول فيها سبع قضايا تهم الدولة التركية، وهذه القضايا هي: فلسطين وقبرص وليبيا وأذربيجان والقرم والإيغور وكشمير، وكان تناوله لهذه القضايا من وجهة نظر تركية قومية تلتزم بالقوانين والقرارات الدولية وليس من وجهة نظر إسلامية، ولا هي مُتأثّرة بالإسلام من بعيد ولا من قريب، وسنحاول في هذه المقاربة المقارنة بين وجهتي النظر القومية أو القطرية وبين وجهة النظر الإسلامية.
بداية يجب أنْ نُدرك أنّ هذه القضايا وغيرها هي قضايا شعوب إسلامية، وهي قضايا مصيرية، فيتوجب تناولها بوصفها قضايا مصيرية يتعلّق بها إجراء الموت أو الحياة لأنّها تتعلّق بمصائر الشعوب الإسلامية.
أولاً: قضية فلسطين
قال أردوغان بأنّه يتمسّك بحل الدولتين، وأنّ عدم الحل يؤدي إلى تهديد الأمن والسلام في المنطقة، وأنّ إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس ما زال ضمن أولويات الفلسطينيين.
ومعلوم أنّ هذا الطرح الهزيل لا يختلف عمّا تطرحه القرارات الدولية المتواطئة مع كيان يهود، وتطرحه الأمم المتحدة، أمّا الرؤية الإسلامية لحل القضية الفلسطينية فهو تحرير فلسطين كاملة، وإزالة كيان يهود من الجذور، لأنّ فلسطين هي أرض خراجية تتبع رقبتها لبيت مال المسلمين فضلاً عن كونها أرض الإسراء والمعراج، امتزج ترابها بدماء الصحابة والمجاهدين، وفتحها عمر وحرّرها صلاح الدين، وكانت جزءاً من بلاد الشام وخضعت لحكم الإسلام لما يزيد عن ألف وثلاثمائة عام، لذلك كانت هذه المعطيات جزءاً من بلورة الحل الإسلامي للقضية، الذي يقضي بإقامة دولة الإسلام فيها وفي سائر بلاد الشام وفي البلاد المحيطة بها.
ثانياً: قضية قبرص
طالب أردوغان بأن تكتسب شمال قبرص المساواة السيادية والاعتراف الدولي المتساوي من أجل الحل في الجزيرة، وعدم إقصاء تركيا من شرق المتوسط لأنّ لها أطول شريط ساحلي، ودعا إلى حل المشاكل في بحر إيجة من خلال الحوار.
فكل همّ أردوغان في هذه القضية هو الاعتراف الدولي بدويلة شمال قبرص التركية، وتناسى أنّ جزيرة قبرص كلها إسلامية، وكانت تحت سيطرة الحكم العثماني لمئات السنين.
ومن الحيثيات اللازمة في هذه القضية معرفة أنّ الرسول ﷺ ذكر بأنّ أناسا من المسلمين سيركبون البحر كالملوك على الأسرّة، وكانت أم حرام بنت ملحان زوج عبادة بن الصامت حاضرة حديث الرسول هذا، فقالت ادع لي أنْ أكون منهم، فدعا لها، فماتت أثناء غزو قبرص زمن سيدنا عثمان رضي الله عنه، وبقيادة معاوية بن أبي سفيان، ودُفنت هناك.
فالحل الإسلامي لقبرص هو توحيدها جميعها تحت السيادة الإسلامية، وإزالة القواعد الاستعمارية منها.
الثالثة: قضية ليبيا
دعا أردوغان المجتمع الدولي إلى الوقوف مُجدّداً بجانب حكومة دبيبة (الحكومة الشرعية).
إنّ الموقف السياسي الإسلامي من أي قضية يقتضي عدم الركون إلى المجتمع الدولي لأنّه يُمثّل قوى الكفر الاستعمارية الكبرى، وأن يستند فقط إلى الإسلام.
وليبيا هي بلد إسلامي عريق، فيجب النظر إليها على أنها أرض إسلامية يجب العمل على توحيدها مع دول الجوار كمصر وليبيا والسودان ومالي والنيجر، لا أن ينظر إليها كونها منطقة شرقية ومنطقة غربية وبينهما منطقة عازلة، كما تفعل أمريكا والدول الكبرى الأخرى فيدعم تياراً ضد تيار آخر وفصيلاً ضد فصيل آخر!
الرابعة: قضية أذربيجان
رحّب أردوغان باستعادة أذربيجان لأراضيها التي احتلتها أرمينيا بدعم تركي، وقال بأن تركيا ستدعم كافة القرارات التي تؤدي إلى إحلال الدستور والأمن في القوقاز.
كان على أردوغان لو كان ينظر إلى أذربيجان وأرمينيا من منظور إسلامي، أن يربط مسألة أذربيجان بأرمينيا باعتبارهما منطقة واحدة هي منطقة القوقاز التي فتحت أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهي أرض خراجية فلا يصح أنْ تقسم إلى دولتين، ثمّ إنّ أرمينيا نفسها كانت تحت حكم العثمانيين، وعلّمنا التاريخ أنّ مؤامرات أرمينيا ضد الدولة الإسلامية لم تهدأ أبداً في العمل ضد المسلمين وهي دولة منفصلة بالتآمر مع الروس والدول الكبرى الاستعمارية، وكانت هادئة فقط عندما كانت تحت الحكم الإسلامي.
الخامسة: قضية القرم
من أكثر مواقف أردوغان عجباً في هذه القضايا قضية شبه جزيرة القرم التي قرّر أردوغان فيها أنّها أراضٍ أوكرانية وليست أراضي روسية، فقال إنّ تركيا لا تعترف بضم روسيا شبه جزيرة القرم، وأنّها تتبع لأوكرانيا وليس لروسيا، وهذا هو الموقف الأمريكي والأوروبي نفسه.
فبدل أنْ يقول إنّ القرم هي أراضٍ إسلامية، كما كانت لمدة طويلة في أيدي المسلمين العثمانيين، ويجب أنْ تتبع المسلمين الأتراك، قال بأنّها أراضٍ أوكرانية.
السادسة: قضية الإيغور
ولعلّ من أكثر المواقف سلبية لأردوغان كان موقفه من الإيغور حيث اعتبر أنّ قضيتهم قضية حقوق أفراد ضمن دولة الصين الموحدة فدعا إلى ضرورة بذل المزيد من الجهود لحماية الحقوق الأساسية للأتراك المسلمين من منظور وحدة أراضي الصين، فهل هو لا يعلم أنّ منطقة الإيغور كانت في مطلع القرن العشرين دولة إسلامية مستقلة عن الصين تحت اسم تركستان الشرقية، فكيف يعتبرها الآن أراضي صينية؟!
فالصين هي التي قتلت وهجرت ونكلت بالمسلمين الإيغور لدرجة أنّها منعتهم من إقامة شعائر دينهم، وأجبرتهم على الإفطار في رمضان، وأقفلت مساجدهم، وأخذت مليوني مسلم إلى منافٍ كبيرة في ما يشبه مراكز الاعتقال، وأجبرت المسلمات الحوامل على الإجهاض، ووضعت العراقيل أمام زواج المسلمات من المسلمين، وفصلت الأطفال عن والديهم، وأجبرتهم على العيش بطريقةٍ فيها الكثير من الإذلال، فلم يتبق من مائة مليون منهم سوى عشرين مليوناً.
إنّ تركستان فُتحت على يد قتيبة بن مسلم زمن عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك، فكيف يقبل مسلم مسؤول بأن تكون أراضي صينية؟
السابعة: قضية كشمير
أمّا موقف أردوغان من كشمير فهو موقف صادم حقاً، حيث لم يجد في جعبته شيئاً ليقوله في هذه المسألة سوى استئناف الحوار بين الطرفين، إذ دعا إلى حل المشكلة عن طريق الحوار بين الهند وباكستان، وهما اللتان استمرتا في الحوار لعشرات السنين فلم يسفر حوارهما عن شيء سوى تمكين الهند من رقبة معظم كشمير.
فكشمير هي أراضٍ إسلامية خالصة باعتها بريطانيا لوالٍ هندوسي في مؤامرة رخيصة لإشغال المسلمين بالهندوس، وإبعادهم عن أنْ يكونوا مركز الثقل في شبه القارة الهندية.
إنّ كشمير مثل فلسطين يجب تحريرها من الاحتلال الهندوسي، ويجب توحيدها مع باكستان والهند وبنغلادش في دولةٍ واحدة تحت حكم الإسلام كما كانت أيام الدولة الإسلامية في الهند لمئات السنين.
رأيك في الموضوع