انطلقت السبت 15/02/2025 أعمال القمة الـ38 للاتحاد الأفريقي، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس السلطة الفلسطينية، وقادة دول أفريقية، وممثلين عن منظمات دولية وإقليمية.
يأتي انعقاد هذه القمة في ظل تحديات دولية وقارية متفاقمة، من بينها التطورات الأمنية في شرق الكونغو الديمقراطية، التي أجبرت الرئيس الكونغولي، فليكس تشيسيكيدي على إلغاء مشاركته في القمة، ما يجعلها محطة مفصلية في مسار القارة الأفريقية، نحو تعزيز الوحدة والتكامل ومواجهة الأزمات الراهنة.
وتصدرت القضية الفلسطينية أعمال القمة التي امتدت ليومين، حيث ندد رئيس المفوضية في الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، بدعوة "البعض" إلى ترحيل ممنهج للفلسطينيين، بعد اقتراح الرئيس الأمريكي ترامب نقل أهل قطاع غزة إلى الأردن ومصر.
كما ناقشت القمة الـ38 بالإضافة إلى الوضع في فلسطين، أوضاع السودان وليبيا، وقضايا بينها العدالة والأمن الغذائي والتحول الرقمي وتغير المناخ، وتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، بحسب معلومات الاتحاد، كما ركزت على تعزيز قضية العدالة ودفع التعويضات للأفارقة، وتناقش أيضاً تقارير مجلس السلم والأمن، والإصلاحات المؤسساتية للاتحاد، والتطورات في مشروع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
ومن جانبه قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، "لقد حان الوقت لوضع إطار لتحقيق الاستقرار في القارة الأفريقية"، لافتا إلى أنه "ليس هناك أي مبرر لكون أفريقيا ليس لديها تمثيل دائم بمجلس الأمن الدولي في القرن الـ21". وأعرب غوتيريش عن تقديره لمواقف كل الدول التي رفضت دعوات تهجير شعبنا من وطنه، ووقفت إلى جانب حقه في أرضه، وشكر الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء على دعمهم الثابت لنضال شعبنا من أجل نيل حريته واستقلاله. وقال "إنه لا ينبغي للعالم أن ينسى أبداً، أن أفريقيا كانت ضحية لظلمين عظيمين، وأنها تعاني من الآثار العميقة للاستعمار"، مشدداً على أن هذه الآثار تعود إلى قرون من الزمن، ورغم ذلك ما زالت باقية.
إن الاتحاد الأفريقي الذي يجتمع بشكل دوري والذي تأسس عام 2001، ولغاية الآن لم تستطع دولة تحقيق أهدافها، من الترويج للكرامة، وإنهاء الصراعات، ومعاناة النساء والأطفال، بل كل ما طرح في هذه القمة الـ38 سيظل حبراً على ورق ولن يرى النور، بل منذ تشكيله، ونحن نرى أفريقيا تغرق في المزيد من المصائب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن الفشل في مواجهة هذه المشاكل، لهو دليل واضح على أن الاتحاد الأفريقي ليس معنياً في تحسين الأوضاع في أفريقيا. والأرقام والوقائع والوضع الكارثي في هذه القارة خير دليل على ذلك، فبحسب قاعدة بيانات جامعة أوبسالا، شهدت أفريقيا حروبا وصراعات مسلحة أكثر مما شهدته أي منطقة أخرى في العالم. وفي مسح للصراعات حسب المناطق بين 1946 و2006 سجلت أفريقيا أعلى رقم في الصراعات (74) مقارنة بآسيا (68) والشرق الأوسط (32) وأوروبا (32) والأمريكيتين (26). وبناء على هذا المسح شهدت الفترة من 1990 إلى 2002 تصاعدا في الحروب والنزاعات المسلحة في أفريقيا وآخرها الحرب التي تشهدها الكونغو وما زالت الحروب العرقية والأهلية فيها تدور رحاها.
وأين هذا الاتحاد من الحرب الدائرة في السودان؛ التي بلغت حصيلتها حتى الآن بحسب تقارير المنظمات كما يلي: 25.6 مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، 17 مليون طفل (80%) خارج المدرسة، 14.7 مليون بحاجة لمساعدات صحية، 13 مليون طفل يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، ومجاعة مؤكدة في مخيم زمزم في شمال دارفور، أكثر من نصف المشردين من النساء، 4 مليون امرأة وفتاة يواجهن خطر العنف الجنسي. 3.1 مليون أصبحوا طالبي لجوء ولاجئين، 2 مليون حالة إصابة بالملاريا منذ بداية 2023 وحتى 31 تشرين الأول/أكتوبر 2024م من 15 ولاية، 209 حالة وفاة، مليون امرأة حامل ومرضعة يعانين من سوء التغذية الحاد. ألف قتيل في ولاية الخرطوم خلال الـ14 شهراً الأولى، و33 ألف إصابة للمدنيين. 113 مرفقا صحيا تعرض للهجوم، 70% من المرافق الصحية لا تعمل. 14 منطقة معرضة لشبح المجاعة (دارفور الكبرى وكردفان الكبرى والجزيرة وبعض النقاط الساخنة في الخرطوم)، وأيضا ما أورده موقع أفروبوليسي في تقرير له عن القارة الأفريقية يدل على أن هذا الاتحاد لا شأن له بمعالجة مشاكل القارة والذي جاء فيه: إن غالبية بلدان أفريقيا التي يزيد عددها عن خمسين دولة هي من بين أفقر البلدان في العالم. وقد ارتفعت مستويات الفقر في القارة بسبب عقود من القيادة غير الكافية، وعدم الاستقرار السياسي، وانخفاض النمو الاقتصادي. وعلى الرغم من الموارد الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها القارة، لا يزال العديد من الناس يعانون من الفقر. بالمقارنة مع أجزاء أخرى من أفريقيا، فإن الفقر أسوأ بكثير في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تشهد معظم بلدان المنطقة تراجع النمو وارتفاع الفقر منذ استقلالها.
وأما ما طرحوه بخصوص القضية الفلسطينية فهي عبارة عن خطب رنانة لا تتجاوز حناجرهم، فالكثير من دول أفريقيا هي على علاقة وطيدة مع كيان يهود، فقد أوردت رويترز أن تل أبيب استطاعت خلال العقدين الماضيين أن تجد لها منافذ في أفريقيا، وأن تخترق الجدار الدبلوماسي العربي المتداعي في هذه القارة فراجعت بعض الدول الأفريقية موقفها من تل أبيب. وما زالت هناك لحد الآن اثنتا عشرة دولة أفريقية، من مجموع خمس وخمسين دولة، ليست على علاقة بالكيان. أما عن الكذب الصراح والتصريحات بالوقوف مع أهل فلسطين ضد تهجيرهم فهو محض افتراء، فقد جاء في تقرير "إن (إسرائيل) على علاقات دبلوماسية مع 42 دولة من أصل 44 دولة تقع إلى الجنوب من الصحراء الكبرى بما في ذلك عدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة".
وهكذا يتضح أن هذا الاتحاد لا علاقة له بأفريقيا ولا بمشاكلها، بل بوجوده تعقدت مشاكلها، وتفاقمت. وإن حلول مشاكل أفريقيا بل العالم أجمع لا يأتي من خلال كيانات هشة عميلة ومن صناعة الغرب الكافر، وإنما تحتاج لدولة مبدئية لها رؤية مستمدة من العليم الحكيم، وهي الدولة التي أقامها نبي الرحمة محمد ﷺ والتي أخرجت البشرية من ظلمات الجهل إلى نور الإسلام.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع