لقد شهدنا جميعاً كيف أطلّت فلول النظام البائد برؤوسها من جديد عبر الغدر بالمجاهدين ومحاولة فرض سيطرتها على مناطق الساحل بالتنسيق مع جهات متعددة داخلية وخارجية. وشهدنا كذلك كيف انتفض المجاهدون الثائرون من جديد لمواجهة هذا الخطر الكبير، فتتابعت الأرتال والمؤازرات من كل الجهات لتتصدى للمجرمين الحاقدين من فلول النظام البائد الطائفية، في مشهد أذهل من رآه.
إن ما حصل يؤكد حقائق يجب عدم التغافل عنها أو الاستهانة بها، لأننا إن تهاونّا أو أخطأنا التصرف كما حصل فسندفع ثمن ذلك من دمائنا:
أولى هذه الحقائق: هي وجوب استئصال الوسط السياسي والعسكري والأمني للنظام البائد، وعدم التهاون في ملاحقة ومحاسبة أكابر مجرميه على ما اقترفته أيديهم من جرائم، ليكون ذلك جزاء ما كسبوا، وليكونوا لمن خلفهم عبرة وآية.
ثانياً: إن الحاضنة الثورية، كما رأيناها وكما هي حقيقتها، هي السند الطبيعي لمن يتوسد إدارة البلاد، إن كانت أفعاله متطابقة مع قيمها ومفاهيمها وعقيدتها، فيجب الاعتماد عليها بعد التوكل على الله وحده والاعتصام بحبله المتين. فلقد أثبت أهل ثورة الشام أنهم أهل جهاد، فلا بد من الاعتناء بهم والمحافظة عليهم والاعتماد عليهم وإبقاء السلاح في أيديهم، ليكونوا كما عهدناهم مجاهدين في خدمة دينهم وأهلهم وثائرين في وجه كل المخاطر والمؤامرات والأطماع. فلا يمكن لجهة واحدة مهما كانت أن تبني دولة أو تتصدى للمخاطر والمؤامرات العظيمة. عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ﷺ: «أَهْلُ الشَّامِ وَأَزْوَاجُهُمْ وَذَرَارِيهِمْ وَعَبِيدُهُمْ وَإِمَاؤُهُمْ إِلَى مُنْتَهَى الْجَزِيرَةِ مُرَابِطُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ. فَمَنِ احْتَلَّ مِنْهَا مَدِينَةً فَهُوَ فِي رِبَاطٍ، وَمَنِ احْتَلَّ مِنْهَا ثَغْراً مِنَ الثُّغُورِ فَهُوَ فِي جِهَادٍ». كما يجب جعل أهل الكفايات والخبرات من الحاضنة الثورية هم الوسط السياسي والعسكري الذي يُعتمد عليه، واستبعاد كل الأوساط التي كان لها علاقة بالنظام البائد.
ثالثاً: إن الركن المتين الذي يجب أن نأوي إليه هو الله عز وجل، لذلك يجب أن نحرص على الاعتصام بحبله المتين وحده، ونعمل لنيل رضوانه عز وجل بإقامة دولة الإسلام التي تحكم بشرع الله، لنكون في معية الله الذي مكننا بفضله وكرمه من بلوغ دمشق وإسقاط أعتى نظام مجرم. وقد وعدنا عز وجل بالنصر إن نحن نصرناه حق النصر فقال سبحانه: ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أقْدَامَكُمْ﴾.
رابعا: يجب أن نكون على يقين بأن الدول التي كانت تدعم النظام البائد حتى قبيل سقوطه والتي كانت تبارك قتلنا وتشريدنا ولم تحرك ساكنا تجاه نظام الإجرام البائد، لن تسعى لخيرنا ولن تعمل لتحقيق مصالحنا، وقد ظهر ذلك جليا من تتابع وفودها لزيارة دمشق مطالبين بدولة وطنية علمانية تقصي الإسلام عن الحكم والسياسة، ومقدمين أنفسهم كحماة للعرقيات الصغيرة، لاتخاذهم أدوات داخلية هدامة، متناسين أنه لا يوجد في الإسلام مثل هذه المفاهيم، بل رعايا للدولة لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات نفسها حسب أحكام الإسلام.
إن الاعتماد على دعم الدول، والحرص عليه على حساب الحاضنة الثورية، إنما هو انتحار سياسي، لأن هذه الدول فضلا عن أنها ليست السند الطبيعي، فإنه لا يهمها إلا مصالحها، وهي حرب على الإسلام وأهله، ولنا فيمن سبقنا في تونس ومصر عبرة. ويكفينا قول الله عز وجل ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾.
هذا فضلاً عن أننا في بلاد مباركة تفيض بالخيرات التي تزيد على حاجة أهلها وقاطنيها، ولا حاجة بنا إلى دعم غرب ولا شرق.
إن ما حدث من تحركات منظمة لفلول النظام البائد، وما تبعها من انتفاضة مباركة لأبناء ثورة الشام حاضنة ومجاهدين، يجب أن يكون لنا عبرة، لنتدارك أنفسنا وندرك مكامن قوتنا ونصحح مسارنا، فنتوكل على الله وحده، ونقيم حكم الإسلام في الأرض، ففي ذلك وحده عزنا وفوزنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد الحميد عبد الحميد
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع