صدر بتاريخ 11/12/2024 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار يقضي بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة بأغلبية 158 عضواً بما فيها الدول الأوروبية الرئيسية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ومعارضة 9 أعضاء أهمّها أمريكا وكيان يهود، وامتناع 13 عضواً عن التصويت.
وطالبت الجمعية العامة في قرارها هذا الأطراف المتحاربة بالامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بالأشخاص الذين تحتجزهم بما في ذلك الإفراج عن جميع المحتجزين تعسفا، وعن رفات جميع المتوفين.
كما طالبت بتمكين السكان المدنيين في قطاع غزة من الحصول فوراً على الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية التي لا غنى عنها، ورفضت أي مسعى يستهدف تجويع الفلسطينيين، وطالبت بتيسير دخول المساعدات بتنسيق من الأمم المتحدة إلى غزة، وطالبت كيان يهود باحترام التفويض الممنوح للأونروا وإفساح المجال لعملياتها للاستمرار دون عوائق أو قيود.
وشدّدت الجمعية العامة على ضرورة المساءلة، وكرّرت تأكيد التزامها الراسخ برؤية حل الدولتين الذي يكون فيه قطاع غزة جزءاً من الدولة الفلسطينية، وتعيش بموجبه دولتان ديمقراطيتان؛ كيان يهود وفلسطين في سلام، وداخل حدود آمنة ومعترف بها بما يتوافق مع أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ورفضت الجمعية العامة في هذا الصدد أي محاولة للتغيير الديموغرافي أو الإقليمي في قطاع غزة.
إنّ هذا القرار ليس هو الأول ولن يكون الأخير الذي يصدر عن الجمعية العامة ويدين كيان يهود، ويطالبه بمنح حقوق للفلسطينيين، ولكنّه كغيره من القرارات الأممية الكثيرة التي لم تلتزم بها دولة يهود، بل لم تعبأ بها، بل إنّها فعلت ما يناقضها، فهي ما زالت تمعن في تجويع أهل فلسطين وقتلهم وتشريدهم وحصارهم، ومنع دخول المساعدات إليهم، فهي إذاً تعمل بعكس ما تنص عليه تلك القرارات، وتستهتر بها، وتشتم الجمعية العامة التي أصدرتها، وتهاجم الأعضاء الذين صوّتوا لصالح القرارات المدينة لها.
ولقد صدر عن الأمم المتحدة في تاريخ القضية الفلسطينية الطويل أكثر من 200 قرار لم يُطبق أي منها، وأول هذه القرارات هو القرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين؛ عربية ويهودية، ومنها القرار 194 الداعي إلى حماية وحرية الوصول إلى القدس والأماكن المقدسة الأخرى والسماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، ومنح تعويضات عن ممتلكات الذين يختارون عدم العودة، وأنّه يجب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يختارون عدم العودة، وعن فقدان أو تلف الممتلكات، ومنها قرارات تُطالب كيان يهود بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 كقراري 242 و338، وغيرها من القرارات الكثيرة الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة.
فإذا كانت قرارات مجلس الأمن لم تُطبّق، فكيف الحال بقرارات الجمعية العامة والتي هي أصلاً غير ملزمة، ويغلب عليها الجانب الأدبي وليس الناحية السياسية العملية؟! وبالتالي فهي مجرد حبر على الورق لا وزن لها ولا قيمة.
ومع ذلك كله فقرارات الجمعية العامة لها أهمية رمزية، وتُعرف بها مواقف الدول تجاه كيان يهود، وتترجم من خلالها الإدانات الدولية له، وتُشكّل نوعاً من الضغط السياسي عليه، وتستخدمها أمريكا لجعله بحاجة دائمية لها.
إنّ الجمعية العامة إنّما أسّست للضعفاء، وللشعوب المغلوبة على أمرها لإلهائها وتخديرها، فهي بمثابة شيطان يُمَني تلك الشعوب بالأماني الكاذبة، والوعود الزائفة، وما يعدها إلا غرورا.
لذلك فلا ينبغي التعويل عليها مُطلقاً، ولا البناء على قراراتها، ولا الركون إليها، والحقيقة الثابتة في هذا المقام أنّه لا قيمة للقرارات التي تصدرها الأمم المتحدة، وهذه المنظمة لا فائدة ترجى منها، فالأمم القوية لا تلجأ إليها، والدول الكبرى لا تلقي لها بالاً، ولا تأبه حتى بوجودها.
فالجمعية العامة ومُشتقاتها ما هي سوى ركنٍ من أركان النظام الدولي الاستعماري الذي فرضته الدول الغربية المتغلبة في الحرب العالمية الثانية، وما هي سوى إفراز مسموم من إفرازاتها الخبيثة، وملهاة من ألهياتها، ولا تخرج عن إملاءات أمريكا وشركائها من الدول الغربية الاستعمارية.
إننا، الأمّة الإسلامية، لا نعترف بالأمم المتحدة لأنّها ابتداء تستند إلى قوانين وضعية بشرية تتناقض مع القوانين الإسلامية الإلهية. وثانياً لأنّ مؤسّساتها مصمّمة بطريقة لا تخدم إلا الدول المتغلبة، ولا مكان فيها للدول الضعيفة سوى التبعية. وثالثاً لأنّها تقوم على أسس استعمارية عنصرية تستخدمها حفنة من لوبيات شركات المال والتجارة وبنوك المُراباة والحكومات الحامية لأصحاب الثروة والاحتكار لامتصاص ثروات الشعوب الفقيرة، والتلاعب بمصائرها، والمقامرة بمقدّراتها، وهي فوق كونها لا تنصف المظلومين فهي أيضاً تمالئ الظالمين باسم القانون الدولي.
لذلك كان من الواجب على الأمة الإسلامية العمل على هدم هذه المنظمات الدولية الحالية بكل ما أوتيت من قوة، وعلى رأس هذه المنظمات هيئة الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليان ومنظمة التجارة الدولية، واليونسكو، وغيرها من المؤسّسات الدولية الظالمة التي بغت وطغت وتجبرت، واستعبدت الشعوب، وتمادت في احتكار الثروة والسلطة لصالح القوى الأخطبوطية الرأسمالية العالمية، ولن يحصل ذلك إلا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع