(مترجم)
اتهمت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية رجل الأعمال الهندي الملياردير جوتام أداني وآخرين بالتآمر لدفع حوالي 265 مليون دولار في شكل رشاوى لمسؤولين حكوميين هنود للحصول على عقود وتطوير أكبر مشروع لمحطة الطاقة الشمسية في الهند. وقبل عام تقريباً، هز تقرير هيندنبورغ للأبحاث مجموعة أداني، متهماً إياها بالتلاعب بالأسهم والاحتيال وإساءة استخدام الملاذات الضريبية الخارجية. وأدى هذا الكشف إلى انخفاض حاد في القيمة السوقية لمجموعة أداني وأثار تساؤلات حول الممارسات المالية للمجموعة. وبينما نفت مجموعة أداني هذه الادعاءات، كشف التقرير عن نقاط ضعف في واحدة من أبرز التكتلات الرأسمالية الضخمة في الهند.
لقد أضعف اتهام لجنة الأوراق المالية والبورصات وهيندنبورغ مجموعة أداني بشدة ووضع قطاع الأعمال الهندي تحت مظلة أمن دولي أكبر، ومع ذلك، وبصرف النظر عن الخلاف القانوني حول المكان الذي يجب أن تُحاكم فيه مجموعة أداني فإن أمريكا تدرك أن هذا يمثل فرصة ذهبية للاستفادة من الأزمة استراتيجياً ومتابعة أهدافها الجيوسياسية والاقتصادية والاستراتيجية الأوسع في المنطقة.
إن المكانة المهمة لمجموعة أداني في تطوير البنية التحتية في الهند وبصمتها المتنامية في مختلف المناطق الاستراتيجية جعلتها لاعباً حاسماً في صعود الهند كقوة عالمية، ومشاريع أداني في الموانئ والخدمات اللوجستية والطاقة ليست حيوية للاقتصاد الهندي فحسب، بل إنها تتحدى أيضاً مبادرة الحزام والطريق الصينية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخارجها. ومع ذلك، ومن منظور أمريكي، يفرض هذا تحديين رئيسيين؛ أولاً، هيمنة أداني في قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة والموانئ تهدد الشركات الأمريكية التي تسعى إلى التوسع في هذه المناطق. وثانياً، جهود أداني لمواجهة الصين عبر شبكات التجارة والخدمات اللوجستية لا ترقى إلى مستوى الالتزام والحجم الذي تتوقعه واشنطن من الهند.
إن التهديد الآخر للمصالح الأمريكية الذي يلوح في الأفق يتمثل في الشبكات المالية لمجموعة أداني والشراكات العالمية التي مكّنتها من رسم مستقبل الهند الاقتصادي بشكل فريد مستقلٍ عن واشنطن، وهذا أمر غير مقبول من وجهة نظر أمريكا، ولا بد من كبح جماح تعاملات أداني المالية. وعلى سبيل المثال، دارت مناقشات داخل مجموعة البريكس حول الحد من الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة العالمية. ومن الممكن أن تعمل مشاريع البنية الأساسية والترتيبات المالية لمجموعة أداني، وخاصة في الأسواق الناشئة، على تسريع هذا التحول والحد من اعتماد الهند على أمريكا، ومن خلال التدقيق في شؤون أداني المالية، تريد أمريكا العبث بقدرة الهند على لعب مثل هذا الدور ضمن نطاق مجموعة البريكس.
وبالإضافة إلى ذلك، يتداخل التوسع التنافسي لمجموعة أداني في مناطق مثل أفريقيا والشرق الأوسط مع الاستراتيجيات الاقتصادية للصين، وفي حين يتماشى موقف الهند المضاد للصين مع أهداف الولايات المتحدة، فإن نفوذ أداني المتزايد قد يضعف قدرة أمريكا على تشكيل والتحكّم بشكل مباشر في هذه الأسواق. ومن هنا، فإنها من خلال تضخيم التدقيق المالي والقانوني على أداني، تريد تقييد دور المجموعة في صياغة نظام اقتصادي هندي جديد، وإعادة استثمار أصول مجموعة أداني حصرياً لاحتواء الصين.
إنّ الارتباط الوثيق بين أداني ورئيس الوزراء ناريندرا مودي يضيف ميزة أخرى لصنّاع السياسات الأمريكيين، كما أن نجاح أداني متشابك مع رؤية مودي للنمو الاقتصادي في الهند، ما يجعل المجموعة رمزاً للتقدّم الوطني ونقطة ضعف محتملة للحكومة، وأمريكا التي تدرك هذه الصلة، يمكن أن تعمل على تضخيم مزاعم هيندنبورغ ولجنة الأوراق المالية والبورصات كوسيلة لإرغام إدارة مودي على تغيير موقفها بشأن القضايا المهمة لواشنطن. وقد تسبب موقف الهند المحايد بشأن القضايا العالمية الرئيسية، مثل الصراع بين روسيا وأوكرانيا، في حدوث احتكاك مع واشنطن، وباستخدام ملف أداني كوسيلة ضغط، يمكن لها أن تشير إلى أن الحياد الاستراتيجي له تكاليف، ما يجبر الهند على الاصطفاف بشكل أوثق مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
وتمتد هذه الديناميكية أيضاً إلى السياسات المحلية، فقد تساهم مجموعة أداني الضعيفة في التحولات في المشهد الاقتصادي والتنظيمي في الهند، وخاصة في مجالات مثل الاستثمارات والتجارة الأجنبية، وقد تستغل أمريكا هذا وتدفع نحو الإصلاحات التي تتماشى مع مصالح شركاتها مثل شركة ستارلينك، ما يزيد من ترسيخ نفوذ واشنطن داخل الإطار الاقتصادي للهند. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يؤدي أي ضرر كبير يلحق بسمعة أداني إلى تقويض السرد السياسي لمودي، الذي يؤكد غالباً على دور الشركات المحلية في دفع التنمية الوطنية. وهذا يخلق طريقاً إضافياً لواشنطن لممارسة الضغط غير المباشر على الحكومة الهندية للتوافق بشكل أوثق مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة وأن إدارة ترامب الجديدة تستعد لحرب تجارية أخرى مع الصين.
وباختصار، تقدم نقاط ضعف أداني التي كشفت عنها الاتهامات القانونية لأمريكا نهجاً متعدد الأوجه لكبح البنية التحتية للهند واستقلال الطاقة، وضمان استمرار هيمنة أمريكا على الأنظمة المالية العالمية، وتعزيز التوافق الجيوسياسي للهند معها، وعلى وشك أن تتعلم الهند حقيقة قاسية وهي أنه بمجرد أن تصطف الهند داخل نطاق نفوذ أمريكا، فإنه يجب عليها أن تمتثل تماماً للهيمنة الأمريكية، ما يترك مجالاً ضئيلاً للاستقلال عن أمريكا أو توفير استراتيجية للخروج من عباءتها.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع