بحسب وكالات الأنباء العالمية والمحلية، وقعت قوات الدعم السريع، وقوى سياسية سودانية، وجماعات مسلحة، مساء السبت 22/02/2025 بالعاصمة الكينية نيروبي، على الميثاق التأسيسي لما يسمى بحكومة الوحدة والسلام؛ وهي حكومة موازية، سيتم تشكيلها في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في إقليم دارفور. وقد كشف المؤتمرون بأن مسعاهم هو لإنهاء الحرب في السودان!
من المعلوم أن اختبار السياسة، يكمن في معرفة كيف ستنتهي الحرب، وليس في معرفة كيف تبدأ، لأن الحروب تبدأ بقرار سياسي، وتتوقف كذلك بقرار سياسي. وبما أنه من طبيعة الأعمال السياسية هي إخفاء الأهداف، كان لزاماً على المتابعين الاهتمام بأي عمل سياسي وإن صغر، سيما في زمن الحروب، فإن الاهتمام يجب أن يكون أشد لأن عواقبه تكون أكبر.
فإن مؤتمر نيروبي الأخير، الذي توج بميثاق سياسي، يفضي إلى تكوين حكومة موازية لحكومة السودان، هو حدث سياسي، لا يمكن تجاهله ولا التغافل عنه أو الاستخفاف به، كما صدرت بعض التصريحات والمقالات هنا وهناك، واصفة المؤتمرين بأنهم لا يمثلون أهل السودان، وأنهم فئة قليلة، وأنهم لنا لغائظون. وفي حقيقة الأمر، فإن المؤتمر هو حدث سياسي، لن يكون ما قبله مثل ما بعده، فقد حضره جمع من أعضاء في أحزاب سياسية، وحركات مسلحة، وإدارة أهلية، وناشطين سياسيين، ومما يسمى المجتمع المدني وغيرهم، وهذا في حد ذاته رسالة لها دلالاتها مهما كان عدد المؤتمرين، ومهما كان وزنهم في المجتمع.
لو كان لهذا المؤتمر مصداقية حقا، لتكوين حكومة تمثل أهل السودان وتحقق السلام، لكان انعقد في الفترة التي كانت قوات الدعم السريع منتشرة في ولايات عدة في السودان. أما أن يعلن عن هذا الميثاق بعد تراجع تلك القوات عن أماكن انتشارها، منكمشة في اتجاه دارفور، فإن هذا لشيء يراد.
ففي حالة النزاعات المسلحة، فإن مطالب المنهزم عادة يكون سقفها منخفضاً، وهذا عكس ما نراه في حالة قوات الدعم السريع، التي تسعى لتكوين حكومة موازية، وهي تتلقى الهزيمة تلو الأخرى، ما يشير إلى أن هناك قوة ما تقف وراء هذا العمل.
وبالنظر إلى صياغة مسودة الميثاق، نجد أنها تشير إلى الهدف من هذا المؤتمر، وما سيترتب عليه، كما كشف عن ذلك وزير الخارجية السوداني، حيث قال: "إن حصول الدعم السريع على الأسلحة بشكل مباشر، سيطيل أمد الحرب"، مشيراً إلى أن ميثاق كينيا بين قوات الدعم السريع وبين حركات مسلحة، يدعو لتمزيق السودان، بإقراره مصطلح "الشعوب والأقاليم السودانية". ففي البند رقم 7 من الميثاق: "في حالة عدم الإقرار أو النص على علمانية الدولة في الدستور الانتقالي، أو الدستور الدائم المستقبلي، وانتهاك أي مبدأ آخر من المبادئ فوق الدستورية، يحق لجميع الشعوب السودانية ممارسة حق تقرير المصير". وهو شرط حتماً مرفوض من جمهرة أهل السودان، فهو يتعارض مع عقيدتهم. ومعلوم أن الشرط المقابل لطلب تعجيزي، يعني أنه قرار مغلف، ولا يراد منه إلا حق تقرير المصير، الذي يعني بالضرورة الانفصال.
وفي سياق متصل، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تعليقه على ميثاق نيروبي: "إن المحافظة على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه تظل أمراً أساسياً لتحقيق حل مستدام للنزاع"، في إشارة واضحة إلى أن الميثاق يهدد وحدة السودان. وبذلك يكون الهدف واضحاً، وهو استهداف وحدة البلاد بشكل لا لبس فيه.
إن المتابع للأحداث في السودان منذ اندلاع هذه الحرب، وحتى مؤتمر نيروبي، يلاحظ أن أمريكا ممسكة بجميع الخيوط، ولا تسمح بتدخل أي دولة إلا بالقدر الذي يسير وفق مخططاتها. حيث نشر الرئيس الكيني، وليام روتو، المتآمر على وحدة السودان هو الآخر، تغريدة على منصة إكس قال فيها: "بحثت هاتفياً مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأوضاع في السودان والدور المحوري الذي تلعبه بلادنا في توفير منصات للأطراف الفاعلة، بما فيها الأحزاب والمجتمع المدني وفاعلون آخرون، بغية الإسهام في جهود وقف انزلاق السودان نحو الفوضى".
وقد كشف الرئيس السابق عمر البشير بكل صراحة ووضوح، نوايا أمريكا في السودان، حيث قال في مقابلة أجرتها معه وكالة سبوتنيك الروسية في زيارته الأخيرة لروسيا: "الضغط والتآمر الأمريكي على السودان كبيران، وتحت الضغوط الأمريكية انفصل جنوب السودان، يعني السودان انقسم"، وشدد البشير على أن "الانقسام كان بضغط وتآمر أمريكي، والخطة الأمريكية هي تدمير السودان، وتقسيمه إلى خمس دول". وللأسف كان عمر البشير هو أول من سار في مخطط تقسيم السودان.
إذن نحن أمام جريمة مكتملة الأركان؛ المخطط معلوم، ومنفذو الجريمة معلومون، والأدلة بين أيدينا.
وإن التصدي لهذا المخطط، يحتاج إلى وقفة قوية وحاسمة، ومحاسبة كل من شارك فيه ولو بشطر كلمة. ولكن السودان لا تسير بعزم وحسم، فبيان خارجيتها، الذي استُهل بعبارة "نأسف للحكومة الكينية"، لا يرتقي إلى مستوى جرم النظام الكيني الذي أشار إليه الوزير في تصريحه السابق.
أما تصريح وزير الإعلام، الذي وصف ما جرى في نيروبي بأنه لا يعدو أن يكون تظاهراً سياسياً ليس له أثر على الأرض، والذي يتناقض مع تصريح وزير الخارجية، فإن دل على شيء فإنما يدل على أن الحكومة لم تجتمع لمناقشة هذا الأمر، وهو التماهي نفسه الذي تم مع قوات الدعم السريع سابقاً، والذي نصطلي الآن بنيرانه.
قال ﷺ: «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
إن التعامل بالإهمال، أو السكوت على المنكر لا يليق بالمسلم، وهو ما ساهم سابقاً في انفصال الجنوب. يقول ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ» فأروا الله من أنفسكم خيراً، ولا تدَعوا البلاد تضيع من بين أيديكم وأنتم شهود.
رأيك في الموضوع