تتزايد المخاطر وتشتد المؤامرة في الآونة الأخيرة حول قضية فلسطين، ولا يتوقف أعداؤنا عن التخطيط والمكر لتصفية هذه القضية المباركة، ويشارك حكام المسلمين ورجالات السلطة بجهودهم الخيانية لتمرير تلك المخططات، بأساليب ووسائل عدة منها الناعمة وأخرى خشنة.
أمام هذا الظلام المتراكم بعضه فوق بعض؛ فمن جهة منظمة التحرير ومسيرة الخيانة والتفريط، ومن جهة ما يسمى بيوم القدس العالمي في آخر جمعة من رمضان الذي صدع رؤوسنا بها النظام الإيراني المجرم بجعجعته دون أن نرى طحيناً، ومن جهة حالة السقوط والتردي للأنظمة في بلاد المسلمين وهرولتها نحو مشروع صفقة القرن، وليس آخرها السُّم الزُعاف الذي خرجت به وسائل إعلام الأنظمة لترويج التطبيع وتسويق كيان يهود على الأمة عبر مسلسلات ساقطة في شكلها ومحتواها،... أمام هذا كله لا ينقطع الأمل في الله سبحانه وتعالى بأن يسخر لهذه الأمة من يصون دينها، ويحافظ على وعيها، ويحمل شعلة النور التي تضيء الطريق، فتزيل الغشاوة، وتصحح اتجاه البوصلة، وتجلي الرؤية، ولا يضيع الهدف.
وهنا أقف معكم على حقائق وثوابت بشأن قضية فلسطين، يحذونا قول الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾.
بداية الثوابت عند المسلمين هي ما جاء بها الوحي من عند الله وصارت جزءاً من عقيدتهم ومن شريعتهم يَعَضّون عليها بالنواجد ويموتون في سبيلها فتزول الدنيا وهي ثابتة لا تزول:
الحقيقة الأولى: فلسطين جزء من البلاد الإسلامية، فتحها المسلمون عنوة فهي أرض خراجية، ملكية رقبتها لبيت مال المسلمين، والأفراد يملكون منفعتها دون رقبتها. هذا هو الحكم الشرعي في الأرض الخراجية أينما كانت.
الحقيقة الثانية: يهود اغتصبوا فلسطين غصباً، والغصب لا يغير الملكية ولا ينقلها من المالك إلى الغاصب. وقد حكم الشرع بإرجاع المغصوب إلى صاحبه مع تغليظ العقوبة على الغاصب، قال صلى الله عليه وسلم: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ».
الحقيقة الثالثة: إذا جاز للمسلم أن يتنازل عن بعض ماله أو أرضه بيعاً أو هبةً فإنه لا يجوز له أن يتنازل عن أرض إسلامية لدولة أجنبية. حتى لو ملك منفعة الأرض ورقبتها فإنه لا يجوز له إعطاؤها إلى دولة أجنبية، فكيف إذا كان لا يملك رقبتها التي هي ملك لبيت مال المسلمين؟
الحقيقة الرابعة: إذا كنا اليوم كأصحاب حق ضعفاء وغير قادرين على استرجاع حقنا، فالعلاج هو أن نقوي أنفسنا ونعد العدة الكافية لاسترجاع حقنا، والحقيقة هي أننا قادرون على استرجاع فلسطين لولا خيانة حكامنا.
الحقيقة الخامسة: القدس بالذات وأرض فلسطين لها مكانة خاصة في الإسلام فهي قبلة المسلمين الأولى، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بارك الله الأرض من حول المسجد الأقصى، قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾، والمسجد الأقصى ثالث مسجد تُشَد إليه الرحال مع المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا».
الحقيقة السادسة: مسؤولية استرجاع الأقصى وفلسطين هي مسؤولية المسلمين جميعاً في الدنيا وليست مسؤولية أهل فلسطين وحدهم. وهذه المسؤولية ليست خاصة بالقدس وفلسطين، بل هي حكم شرعي في كل أرض إسلامية اغتصبتها دول الكفار، ولكن الأمر بخصوص القدس وفلسطين هو أشد وجوباً لما لها من مكانة.
والمسؤولية في التحرير تقع على الأقرب فالأقرب. أي أن الوجوب يقع أولاً على الأقرب، فإن لم يكفِ فعلى الذين يلونهم وهكذا، حتى تحصل الكفاية ولو لزم اشتراك المسلمين جميعاً في الدنيا كلها، قال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «... وَأَنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ، لَا يُسَالِمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ».
الحقيقة السابعة: التجزئة والتقسيمات والحدود في بلاد المسلمين لا يقرها الإسلام، وهي من فعل الكفار المستعمرين الذين مزقوا المسلمين وبلادهم من أجل أن يسهل عليهم حكمهم على قاعدة (فَرِّقْ تَسُدْ). ويحرم على المسلمين أن يستمروا في هذه التجزئة. وما كان ليهود أن تغتصب فلسطين، وما كان لدول الغرب أن تسيطر على المسلمين لو كانوا في دولة واحدة تحت راية خليفة واحد.
الحقيقة الثامنة: يهود هم من أعدى أعداء المسلمين، قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾. وهذا شيء مستقر في طباعهم.
الحقيقة التاسعة: صراعنا مع يهود محسوم النتائج لصالحنا، أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «تُقَاتِلُكُمْ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ».
الحقيقة العاشرة: أمريكا هي عدو للمسلمين، وكذلك بريطانيا وفرنسا وروسيا، وكل دولة تتعاطف مع يهود، وتساعدهم في عدوانهم واغتصابهم لبلاد المسلمين، هي عدوة للمسلمين. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾.
الحقيقة الحادية عشرة: كل تصرّف يخالف الشرع هو باطل، والتنازلات التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية، أو سلطة أوسلو ليهود كلها باطلة، سواء أخذت موافقة الفصائل، أو المجلس الفلسطيني أو موافقة الجامعة العربية أو موافقة الأمم المتحدة. فما جعله الله حراماً لا يمكن لأي جهة على الأرض أن تجعله حلالاً. فالحرام حرام إلى يوم القيامة والحلال حلال إلى يوم القيامة، وهذا هو معنى الثابت.
رأيك في الموضوع