تدور نقاشات واستفهامات بقوة، هذه الأيام، في السودان، استنكارا للقرار (الغريب العجيب) لوزير الإرشاد، الذي يمنع الحديث الديني في الأسواق، والأماكن العامة؛ هذا القرار صدر في وقت اشتدت فيه حملاتُ التشويه من الغرب وعملائه للإسلام وأحكامه.
وغرابة القرار أنه في بلدٍ إسلامي؛ يمثل الإسلام فيه عصب الحياة لأهله، والذي زعم حكامه بعد انفصال الجنوب عن الشمال، أنه لن يكون هنالك (دغمسة) في تطبيق الشريعة!
ففي يوم الأحد 14/8/2016م أبدى وزير الإرشاد، تمسكه بحظر حلقات الوعظ والحديث الديني في الأسواق والأماكن العامة، ثم قال: (إن هناك قرارات كبيرة قادمة لتوجيه الدعوة في البلاد الوجهة السليمة)، وفي حوار معه يوم ١٨/٨/٢٠١٦م يقول وزير الإرشاد (يجب أن يكون الخطاب الدعوي على قدر فهم المُصلين، لا يُمكن أن يتحدّث خطيب المسجد لعامة عن الحاكمية...)، ويقول (...لا بد من أن نعيد صياغة الخطاب الديني...)، وهو نفسه الوزير الذي حذَّر في برنامج «مؤتمر إذاعي» يوم 22/4/2016م أئمة المساجد من الهجوم على الوزراء والمسؤولين في خطبة الجمعة، وهو نفسه الذي نظم مؤتمراً لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني في القارة الإفريقية في الخرطوم 27-28 نيسان/أبريل 2016م.
الذي يلفت النظر أنَّ وزير الإرشاد قد بدأ بعد تعيينه مباشرة بملفاتٍ لا ناقة لأهل السودان فيها ولا جمل، مثل: (الإرهاب) والتطرف، وتغيير الخطاب الديني...إلخ، هذه الأجندة (اليورو-أمريكية) تمثل رأس الحربة في حرب الغرب الناعمة على الإسلام وأهله.
وما أثبت، وأكَّد أن هذا القرار كان سياسياً بامتياز هو تدخل النائب الأول للرئيس ململماً أطراف الموضوع بعد موجة الاستنكار والامتعاض التي واجه الناس بها القرار، فقد ترأس نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن بالقصر الجمهوري يوم الخميس 25/8/2016م، اجتماعاً سمي بالاجتماع الخاص بتنسيق وتنظيم وترتيب العمل الدعوي بحضور وزير الإرشاد والأوقاف وممثلين عن هيئة علماء السودان، والمجلس الأعلى للدعوة، وجماعة أنصار السنة المحمدية، وأوضح وزير الإرشاد في تصريحات صحفية أنه تم الاتفاق على تحديد ساحات محددة ومهيأة للخطاب الديني تليق بقداسة القرآن والسنة، ومتحدثين وفقا لمؤهلات وشهادات علمية محددة، وأبان الوزير أن الاجتماع شدد على الاتفاق على ميثاق للعيش في احترام وتقدير بعيداً عن الإساءة للشيوخ والعلماء ورجال الدولة حتى لا يكون الخطاب ضمن المهددات الأمنية بالبلاد.
وهذا ما ينسجم تماماً، ويتناغم مع الحرب الغربية على الإسلام وأهله باسم (الإرهاب)، والتطرف، وتغيير الخطاب الديني؛ تلك الحرب التي سمتها مراكز البحوث الأمريكية بحرب الأفكار، الحرب التي استطاعت أمريكا أن تجيَّش لها جيوشاً ممن يخدم مصالحها في بلاد المسلمين،كبعض العلماء، والحكام، والسياسيين، وقد فضح الله حكام المسلمين في مؤتمر واشنطن لما يسمى بـ(التطرف)، ففي كلمة الرئيس الأمريكي أوباما في ١٨/٢/٢٠١٥م، وعد باستخدام حكومات وجماعات وتنظيمات لتنفيد حربه الفكرية الحضارية تلك، كما وعد بالدعم السخي لهذه الحكومات والجماعات والتنظيمات الإسلامية، التي وصفها أوباما، زعيم التطرف والإرهاب، بالمعتدلة.
فكل ما ذكره الوزير من حجج وتبريرات لمنع الخطاب، أو ما قدمه نائب الرئيس من ورقة توتٍ من قرارات لتحول الأمر من (منع) إلى (تنظيم) الخطاب الديني، لن يغطي كل ذلك سوءات تلك الحرب المستعرة المكشوفة والمفضوحة والتي يشارك فيها حكام المسلمين؛ لإبعاد الناس عن الاستماع للخطاب الرباني في الحكم والسياسة وإدارة شؤون البلاد، ورعاية أحوال العباد بالإسلام، ذلك الخطاب السياسي الذي يقوم به حملة الدعوة في كل مكان في حلقاتٍ ونقاط حوار في الأسواق والأماكن العامة، حتى التف الناس حولهم، وتقبلوا ما يعرضونه من فكر وثقافة مبنية على أحكام الإسلام وعقيدته.
أما تبرير وزير الإرشاد بأن المنع جاء لتنظيم الخطاب الديني لما تسبب فيه من فتن، كادت أن تولد حسب زعمه بوادر عنف واضطرابات أمنية، إنَّ الذي يفند زعم الوزير ويرده هو أنَّ البلاغ والحديث بالإسلام هو حكم شرعي أمر به الله تعالى، وحكم الله لا يثير الفتن ولا يؤدي إلى الشقاق. قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
ثم إنَّ الحكم الشرعي لا يجوز لأحد؛ لا وزير، ولا سواه، أن يحدده بزمان ولا مكان، قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. وقال الرسول e «بلّغُوا عنِّي وَلَوْ آيَةً». فكل هذه النصوص لم يحصر فيها النص البلاغ والتذكير للمسلمين بالإسلام، بزمان معين ولا بمكان معين، فلماذا يا سعادة الوزير تصدون الناس عما أمرهم الله به؟! يقول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا...﴾.
نسأل الله عز وجل أن يمنَّ على أمتنا بدولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تُعِدّ الدعاة والمجاهدين وتعينهم، وتذلل الصعاب، ليكونوا قادة هدىً ورحمة، ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله. ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً.
بقلم: محمد جامع (أبو أيمن)
رأيك في الموضوع