بعد أن حاولت السلطة في تونس عبر أطراف حكومية منع حزب التحرير من إقامة مؤتمره السنوي، وفشلت في ذلك رغم خرقها لحكم المحكمة الإدارية الذي قضى بإيقاف منع المؤتمر الذي أصدرته وزارة الداخلية في بداية شهر حزيران/يونيو الماضي، سعت عبر هياكل أمنية لمزيد من التضييق على نشاطه ومحاولات إيقاف شبابه، استمراراً في سياستها الممنهجة، وقامت باعتداء على لافتة مقره الجديد وتمزيقها في ساعة متأخرة من الليل بالاستعانة بظلام الليل، ولم تكفّ عن ذلك بل قامت بعريضة لدى وكيل المحكمة الابتدائية لتجميد نشاط الحزب لشهر كخطوة لرفع قضية أصلية، ولكنها اعتمدت في ذلك على ملف كانت قرائنه تحريضية كلها افتراءات وأكاذيب ليحكم قاضي المحكمة الابتدائية في يوم 30 آب/أغسطس الماضي بإيقاف قرار تجميد نشاط الحزب ليكون ثاني قرار إداري يتخذه القضاء ضد افتراء السلطة وحربها على حزب التحرير.
وفي الوقت الذي كان الملف أمام أنظار القضاء، قامت قوات أمنية، ليلة الجلسة مرة أخرى بالتحصن بظلمة الليل وإعادة تمزيق اللافتة، ولم يكفهم ذلك، فقد عادوا في اليوم نفسه بتعزيزات أمنية مصطحبين أعوان التراتيب البلدية ورافعات الحماية المدنية، وقاموا بإزالة رافعة اللافتة من فوق سطح المقر، لكنهم أكدوا في الوقت نفسه أنهم لا يمتلكون أي وثيقة رسمية أو إذن قضائي، بل برروا ذلك بأنها أوامر عليا تلقوها عبر الهاتف، ففوجئوا بحزب عريق يقابل أعمال البلطجة والاستفزاز بحنكة سياسية وضبط للنفس يليق بحزب يستهدف السلطة بحكم راشد.
وبعد أن أصدر حزب التحرير بيانه الذي ندد به بهذا الانتهاك لكل الإجراءات الإدارية والأعراف السياسية وذكّر بغايات هذه السلطة أن محاولاتها إسكات حزب التحرير عن فضح المجرمين، ونبه إلى أن دولة الحكم الراشد قرب زمانها ولن تسكت عن جرائم الخونة والذين تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء والتفريط في الأرض والعرض.
إلا أن هذا البيان الذي صدر متزامنا مع حكم المحكمة الذي أنصف الحزب، اشتغلت عليه دوائر مأجورة ونشرته بعنوان كاذب مضلل "خطير/ حزب التحرير يهدد بقطع الرؤوس والأيادي ويقول لحكومة الشاهد ساعة الحساب اقتربت"! مُخرجةً ما ورد في البيان من سياقه بأسلوب خبيث، الأمر الذي تحول إلى كرة ثلج، وتناقلته وسائل إعلام أخرى محلية وعالمية بسرعة قصوى، ورغم أن المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تونس أصدر توضيحا، إلا أن أغلبها لم يُرِدْ أخذه بعين الاعتبار، وتحولت برامج سياسية عدة إلى مآدب تهجم على الحزب دون الاستفسار من أعضائه المكلفين بالإعلام! مما جعل المكتب الإعلامي للحزب في تونس يصدر بيانا آخر عنونه بـ"تنويه ودعوة صادقة للإعلام والإعلاميين لتناول الملف كاملاً، وعدم الانجرار وراء جهات سياسيّة معلومة تعتمد التّحريف وتتخفّى وراء صفة إعلامي"، وقد أكد أن هذه الحملة جاءت بعد صمت مريب من وسائل إعلامية عديدة أمام تجاوزات خطيرة من جهات متنفّذة في حقّ حزب التحرير في تونس: بوالٍ يضرب بقرار القضاء الإداري عرض الحائط ويعرقل المؤتمر السنوي للحزب، وبالضغط على عناصر أمنية لتمزيق لافتة في مقرّه، وبالدفع بعصابات مأجورة لتعطيل الفعاليات.
إلا أن السلطة لم تنفك عن حربها على حزب التحرير ليكون لرأسها هذه المرة موعد جديد في التحريض عليه، ففي اجتماع لمجلس الأمن القومي تحدث الباجي قائد السبسي عن حزب التحرير وطالب جالسيه أن يجدوا له حلا، باعتبار أن القضاء لم يقم بإدانته، ولم يكفه ذلك بل قام بدوره بالافتراء على البيان وذكر ما نشرته وسائل الإعلام المغرضة.
ليأتي رد الحزب سريعا ببيان صحفي آخر "أيها الرئيس! لقد تجاوزت حدك" ندد فيه الحزب بالتحريض الذي كان مرده عداء أيديولوجيا وكرهاً معلوماً عليه للحزب منذ أن كان رئيسا للحكومة، كما ذكره البيان في تاريخه السياسي الذي يشهد له بالفساد، وأكد أن الحزب لن يتهاون عن فضح سياساته والعمل لإقامة دولة العز والعدل.
وفي هذا السياق كان لرواد مواقع التواصل الإلكتروني تفاعل كبير، وركز العديد منهم على أن الحزب مستهدف من قبل السلطة وبعض الأحزاب الحاكمة ومن أطراف خارجية، نبه إليها الحزب وفضح سياساتها الاستعمارية في بلادنا.
ورغم أن السلطة أظهرت رغبة قوية في المضي قدما لإيقاف حزب التحرير، إلا أن ردود الأفعال الشعبية أظهرت مزيدا من التعاطف، كما أن شبابه أكدوا أنهم أكثر عزماً وإصراراً على استئصال الفساد من جذوره بالفكر والسياسة؛ سلاح الحزب الذي لم تقدر أنظمة قمعية ودكتاتورية عدة على إخماده، وأن الادعاءات المغرضة لم تلقَ أي صدى شعبي، فالجميع يعلم أن حزب التحرير عمله سياسي بامتياز ولم ينجرّ أحد من شبابه يوما إلى أي عمل مادي لأن ذلك محرم شرعا ومسألة مبدأ لا عدول عنها، بل حتى إن أكثر الناس لوماً كان عن اختيار الألفاظ في بيانه؛ فقد يعتبرها البعض شديدة اللهجة يمكن استثماره من المغرضين المتصيدين في الماء العكر وما على الحزب إلا تقبلها بتمعن، فهو حزب الأمة وللأمة حق عليه في النصح والمشورة.
بقلم: المهندس محمد ياسين صميدة
رأيك في الموضوع