منذ سنة 2011 بعد سقوط الهالك بن علي، لم تعرف تونس استقرارا حكوميا، فقد تداولت على البلاد أكثر من عشر حكومات كانت تعصف بها في كل مرة أزمات سياسية وإن اختلفت مظاهرها إلا أنها كانت في كل مرة صراعا بين أطراف سياسية وقد يكون للتدخل الخارجي فيها نصيب.
الانتخابات الأخيرة وإن سوّقها السياسيون على أنها ستكون حاسمة في مسار الانتقال الديمقراطي بعد سنوات عاشها الناس أشبه بالمجهول وتدهور الأمل في خروج قريب من عمق الأزمات التي ألقت بظلالها على معيشة الناس وظروف حياتهم، إلا أن مخرجاتها كان عنوانا لأزمة سياسية جديدة، فلا زالت إلى اليوم لم تتعين حكومة جديدة رغم انقضاء الانتخابات منذ ما يزيد عن 3 أشهر.
انتخابات أعطت فسيفساء انتخابية بدون أغلبية مريحة للحزب الأول حركة النهضة، مما جعل مفاوضات تشكيل حكومة مرشحها الحبيب الجملي تنتهي بالفشل وعدم المصادقة عليها في مجلس نواب الشعب، ليكون الإجراء تعيين إلياس الفخفاخ من رئيس الدولة بالتشاور مع أبرز الكتل المشكلة للمجلس النيابي كفرصة أخيرة قبل إعلانه حل البرلمان وإعادة انتخابات سابقة لأوانها، الأمر الذي جعل المفاوضات بين الأحزاب لم تكن كسابقتها، فالكل يعلم أن نتائج الانتخابات إن أعيدت لن تكون كسابقتها.
وبالرغم من ذلك كانت المناورات حاضرة بين الجميع؛ فحركة النهضة ادعت أنها لن تقبل بحكومة لا يشارك فيها خصمها في الانتخابات، حزب قلب تونس الذي اتهمته بالفساد ثم تراجعت عن ذلك.
حزب التيار وحركة الشعب اللذان طالما عارضا التحالف مع يوسف الشاهد رئيس الحكومة الحالي ورئيس حزب تحيا تونس، كانا من المساندين بقوة لخيارات الفخفاخ.
فكان تشكيل الحكومة فرصة لمزيد كشف عقلية الساسة في تونس وضرب ثقة الناس فيهم فأصبح العداء لقلب تونس والذي قامت عليه الحملة الانتخابية للنهضة قراراً خاطئاً بحسب قيادي في النهضة أو كلام انتخبات بحسب قيادية أخرى، وأصبح الغنوشي أبا روحيا لأحد قادة حزب قلب تونس الذي أسس حملته أيضا على مواجهة (أخونة الدولة وأسلمتها) بل حتى إن التصريح ونقيضه من الطرف نفسه لا يتجاوز ساعات في عمليات تحيّل متواصلة على الشعب.
حكومة الفخفاخ سيتم تمريرها للمصادقة عليها في البرلمان هذا الأسبوع ومن المرجح أنه سيتم تمريرها، بعد أن أكدت أغلب الأطراف، حتى التي لم تكن في حزامها السياسي، أنها ستعمل على المصادقة عليها، فبين الخوف من عودة الانتخابات التي قد يخسر فيها جزء كبير مقاعدهم إلى الأبد ومع الامتيازات الفردية التي يتحصل عليها النواب، وبين ضغط الجهات التي يسمونها مانحة وقد بعثت برسائلها أنها لن تتفاوض إلا مع حكومة معينة من أجل تمكين تونس من القروض المبرمجة سابقا ولكن بعد شروطها التي تفرضها وفق السياقات المحلية والإقليمية.
ولكن حكومة الفخفاخ حتى وإن تم تمريرها، فحتى المشاركين فيها اعتبروا أن عمرها لن يكون طويلا، فهي آيلة للسقوط، وهو ما يؤكده الواقع اليوم، فما بالك بنجاحها أو تمكنها من حلحلة الأزمات التي تعيشها البلاد؟
فالوضع الاقتصادي الذى تعيشه البلاد وصل إلى قمة العجز وهو ما تبينه الأرقام، من عجز في الميزانية وتفاقم المديونية بشكل غير مسبوق وعجز في الميزان التجاري مع تدهور عميق وواضح لظروف الناس، كما تشهد البلاد انهيارات في الوضع الصحي والبيئي والتعليمي.
أما من الناحية السياسية فهذه الحكومة وإن تشكلت من حزام سياسي واسع إلا أنه كان بمثابة الفرقاء المتشاكسين لن يقف تشاكسهم بتبادل الاتهامات في توزيع الفشل وتحت ضغط شعبي أبرز ميزته أنه فقد الثقة الكاملة في السياسيين ولم يعد يرى منهم سبلا للخروج من الأزمة.
حكومة الفخفاخ لن تكون حلا للأزمة بل ستكون جزءاً منها وتواصلا أسوأ لها في سياق تواصل الأسباب نفسها التي أدت إلى فشل غيرها، ففساد المنظومة لا زال قائما، والفاسدون في الدولة متشبثون بالحكم إلى آخر رمق مهما كلفهم من عمالة وتبعية لجهات استعمارية يستغلون دعمها لها في سبيل خدمة مصالحها.
فغياب المنظومة الراشدة والسياسيين الذين ينظرون إلى البلاد من خارج إطار المنظومة الفاسدة بقوانينها وتشريعاتها والعقلية السائدة في التعامل مع الأزمات بسياسة تأجيلها إلى المستقبل بعيد كل البعد عن النظرة الاستراتيجية التي تخطط لأن تكون البلاد عنوان نهضة وتقدم للبشرية جمعاء وهي السبيل الوحيد للخروج من كل الأزمات.
بقلم: المهندس محمد ياسين صميدة – تونس
رأيك في الموضوع