لقي خبر إعلان السلطات في تونس تجميد نشاط حزب التحرير لمدة شهر تفاعلات كبيرة، بل برز الحدث الأهم والطاغي على وسائل الإعلام محليا وعالميا، وقد أصبحت القضية قضية رأي عام تناقَش في التجمعات العامة وفي الأوساط الشعبية، كما برزت أيضا في صفحات وسائل التواصل الإلكتروني وخاصة الفيسبوك.
في البداية تناولت وسائل الإعلام هذا الخبر في شكل نقل للحدث الذي أعلن عنه في إحدى الجرائد اليومية على موقعها الإلكتروني، ثم سعت أغلبها لتقصي التفاصيل والمواقف سواء من مصادر في الدولة أو من خلال المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تونس.
وبعد أن أقام المكتب الإعلامي ندوة صحفية تحدث فيها عن عملية تمزيق لافتة مقره في ظلمة الليل يوما قبل ذلك الإعلان وتحدث عن الجانب السياسي الذي يحاول التخفي وراء العريضة التي أذن بها وكيل محكمة تونس الابتدائية، خاصة في ظروف إقالة حكومة الحبيب الصيد التي أعلن فشلها منذ شهر أيار/مايو، وفي الوقت الذي لقي فيه يوسف الشاهد إشكاليات عدة في تشكيل حكومته الجديدة، وبعد أن سجلت السلطة أكبر فضيحة سياسية بعدم التزامها بقرار المحكمة الإدارية الذي قضى بالطعن في قرار إيقاف مؤتمر حزب التحرير، فوسط كل هذه التناقضات ظلت أطراف تعمل بشكل العصابات السياسية للنيل من الحزب ومحاولة إيقاف نشاطاته وحظر وجوده رغم أنه أمر واقع كجبال بوقرنين في جذوره أو كجامع عقبة رضي الله عنه في أصالته، لتؤجج ردود أفعال أخرى وأقوى داخل الأوساط السياسية والإعلامية وخاصة الشعبية.
لم يغب على بعض الأقلام المأجورة أن تسخر نفسها لمهاجمة الحزب وتظهر حقدا ما بعده حقد، فقد كتبت إحداها مقالا عنوانه "هل تنتهج تونس نهج إسرائيل لحظر حزب التحرير وإعلانه تنظيماً غير مشروع!!"، كما أن وسائل إعلام أخرى عرفت بمحاولاتها السابقة تشويه الحزب ونشرت تقارير مغلوطة حوله، قامت بتغطية الحدث ولكنها لم تقم باحترام أهم المبادئ التي تعلنها في مهنة الإعلام والصحافة تحت عنوان الرأي والرأي الآخر! فقد قامت بإذاعة خبر تعليق نشاط الحزب ولكنها تجاهلت موقف الحزب من ذلك وراحت تتحدث عن إمكانية حل الحزب بل واعتمدت في ذلك على آراء بعض الخصوم الأيديولوجيين المعروفين بعداوتهم الكبيرة.
إلا أن وسائل إعلام أخرى قامت بتغطية للندوة الصحفية التي أقامها المكتب الإعلامي، ونقلت عنه مواقف الحزب الذي أكد أن الأمر سياسي بامتياز وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إيقاف نشاط الحزب كما صرح بذلك عضو الهيئة الإدارية للحزب الأستاذ محمد الناصر شويخة الذي أكد أن هنالك جريمة كبرى تحاك في تونس، كما نقلت وسائل إعلام محلية عن الدكتور محمد مقيديش عضو المكتب الإعلامي أن الحزب سيتوجه إلى القضاء بعد قرار المحكمة الابتدائية القاضي بإيقاف نشاطه لمدة شهر، ونشرت أخرى مقالا بعنوان "سنتصدى للظلم المسلط على حزب التحرير" نقلت خلاله تصريح عضو المكتب الإعلامي الأستاذ عماد الدين حدوق أن قرار تعليق نشاط الحزب لمدة 30 يوما هو "إذن ولائي ومنفرد لقاض لم يحترم مبدأ المواجهة بين طرفي النزاع".
كما كانت لعضو المكتب الإعلامي المهندس محمد ياسين تصريحات عدة ولقاءات إعلامية، أبرزها ما نقلته جريدة القدس العربي تحت عنوان "حزب التحرير: تونس تحتاج لمرحلة انتقالية جديدة وحكومة الشاهد لن تنجح"، كما قامت قناة الحوار اللندنية باستضافته في برنامج، جمع بين موقف الحزب وعدد من آراء المتابعين للبرنامج أعربوا عن قلقهم مما تقوم به السلطة في تونس من محاولات إخماد صوت الثورة ومحاربة البدائل الإسلامية.
كما نشرت جريدة الصريح مقالا بعنوان "تجميد نشاط حزب التحرير والديمقراطية ذات الوجهين" وقد ركز فيه ناجي السبوعي صاحب المقال على "تناقض أدعياء الديمقراطية في تونس وادعائهم أفكار حرية التنظيم واختلاف الأفكار، خاصة وأن حزب التحرير حزب سياسي لا يتبنى العمل المادي يرفع شعار الإسلام هو الحل وفق حديث نبوي شريف يبشر بعودة الخلافة على منهاج النبوة"، وقد ختم مقاله "بأننا أمام ديمقراطية ذات وجهين، وجه طلق منير أمام العلمانيين وآخر عبوس مظلم أمام خصومهم".
محامون ومدوّنون أيضا كتبوا على صفحاتهم عبر الفيسبوك ونشروا مواقف تعارض سياسة الحكومة الإقصائية لحزب التحرير، فقد اتهم المحامي سيف الدين مخلوف الوزير السابق في حكومة الحبيب الصيد المعروف بانتمائه اليساري وصاحب التصريحات المغرضة ضد الحزب كمال الجندوبي، اتهمه بالكيد على حزب التحرير، وقد كتب المحامي والباحث القانوني مراد العبيدي تدوينة: "حزب التحرير لا يؤمن بالعنف وعنده مفكرون يعرضون أطروحاته بشكل راق دون تصادم وإلغاء للآخر، الباقي تفاصيل يتولى أمرها العقول بين الإعراض والقبول... أما أن تُمارس عليه خطط بن علي، يبدأ بحزب التحرير وينتهي بالآخرين، فهذا يضرب الثورة في نحرها مثلما ضربت قبل ذلك من قبل أبنائها وأعدائها... حزب التحرير... أنا محاميك".
واعتبرت المدونة سلوى العياري أن هذا القرار هو استبدادي يأتي في إطار قمع كل نفس ثوري، واعتبرت أن "حزب التحرير هو حزب سياسي مسالم يحب دينه وبلاده في مقابل أحزاب أخرى رغم مخالفاتها العديدة إلا أنها لم تلقَ شيئا من السلطة"، أما الكاتب السياسي صابر النفزاوي فكتب سلسلة من المقالات تساند الحزب؛ أبرزها مقالا عنونه بـ"لا أنتمي إليه لكنّي معه حتى نخاع العظم!!" وقد انتشر هاشتاغ (#سيب حزب التحرير وشد الاستعمار خير)، شارك فيه المؤيدون والمناصرون والمتعاطفون، بل وقد انتشر بشكل فيديوهات لمختلف الأعمار ومن مختلف الجهات، بل لقد بلغ خارج تونس ليصل إلى بيت المقدس وكينيا والشام وأمريكا وغيرها.
ليؤكد الحزب مرة أخرى أن محاولات السلطة تعطيل نشاطه والتضييق عليه تزيده شعبية وتعاطفا من الناس وتزيد شبابه عزما وإرادة وتعود على أعدائه بالفشل، خاصة وأنه تم الكشف عن فضيحة جديدة تتخلل الملف القضائي ربما يكون الحديث عنها في قادم الأيام بإذن الله بعد الكشف عن تفاصيلها كاملة.
* عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس
المهندس محمد ياسين صميدة
رأيك في الموضوع