يعيش السودان شماله وجنوبه حالة من الاضطراب والفوضى، منذ انفصال جنوب السودان عن شماله، وإقامة دويلة لا تستطيع العيش إلا بأكسجين الشمال، فمنذ ولادة دويلة جنوب السودان ولادة غير شرعية، بدأت الصراعات والمآسي تتزايد على أهل الجنوب والشمال المغلوبين على أمرهم، ففي الجنوب ما زالت الأحداث حبلى بالتدخلات الغربية، وبخاصة أمريكا التي تريد تقوية موقف عميلها سلفاكير، بعد الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة جوبا الشهر الماضي، فقد أجاز مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي إرسال (4000) جندي إضافي إلى جنوب السودان، وقال متحدث باسم كير فورًا إن الحكومة ترفض ذلك. أما وزير الإعلام فقال يوم الأحد إن الاقتراح سيخضع للبحث.
وقال سلفا كير في مراسم إعادة فتح البرلمان: "هنالك من يتهمون الحكومة بالشجار مع الأمم المتحدة، ورفضها للقوات الدولية، هذا غير دقيق"، وأضاف: "لم تجتمع الحكومة لإعلان موقفها النهائي"، ولم يذكر متى ستتخذ الحكومة القرار.
وفي تطور لاحق ذكرت الأمم المتحدة يوم الخميس الماضي، أن النائب السابق رياك مشار، غادر البلاد، وهو حالياً في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهناك تقارير تشير إلى احتمال انتقاله إلى إثيوبيا، وقال الناطق الرسمي باسم المعارضة في العاصمة الكينية نيروبي، مناوا بيتر جاتكوث، عبر الهاتف لـ (الحياة) إن نجاح مشار في الخروج بعد الحصار الذي كان مفروضاً عليه من قبل القوات الحكومية هو بداية التحضير للمعركة الفاصلة لاجتياح جوبا، وإسقاط نظام الرئيس سلفاكير، وهذا يعني أن الأمور في طريقها للتأزم بين الطرفين، ويبدو أن أمريكا وبريطانيا لم تتوصلا إلى تسوية تستقر الأمور على أساسها في جنوب السودان، فأمريكا تريد الجنوب خالصاً لها، وبريطانيا لا ترضى أن تخرج من جنوب السودان، دون أن يكون لها شيء، وهي تستند إلى السند القبلي القوي الذي يملكه مشار (النوير). والغرب عموماً لا يهمه أن يموت الناس، أو يشردوا، فما يهمهم هو مصلحتهم، لذلك ما لم تتم هذه التسوية بين أمريكا وبريطانيا، فلا يتوقع أن تقف هذه الحرب اللعينة.
هذه هي الحال في جنوب السودان، وليس الحال في شمال السودان بأفضل منها في الجنوب، فالصراع على أشده بين أمريكا وأوروبا وبخاصة بريطانيا، وإن كانت الغلبة الظاهرة لأمريكا، إلا أن وجود الحركات المتمردة التابعة لأوروبا (حركات دارفور)، يسبب صداعاً دائماً لأمريكا في السودان، لذلك تريد أن تراضيهم، وتدخلهم في بيت الطاعة الأمريكية، فكانت أن ضغطت عليهم، ومنّتهم حتى تم التوقيع على خارطة الطريق؛ التي وقع عليها النظام في آذار/مارس الماضي، ويبدو أن أمريكا تريد أن تجعلهم، أي الحركات، تحت الأمر الواقع، فلم تقدم لهم أي تنازلات تذكر، بل بدأ الحديث عن أن الحركات ليس لها في أرض الواقع قوة، لذلك فما عليها إلا أن توقع على ما جاء في اتفاقية الدوحة، فرفضت الحركات هذا الوضع، وقررت العودة من حيث أتت، وحاول النظام إظهار الحركة الشعبية/ قطاع الشمال بمظهر الذي أفشل هذه الجولة من المفاوضات، مع أنه من المعلوم أن قطاع الشمال بيد أمريكا، وخاصة إذا علمنا أن الخلاف كان فقط في كيفية إيصال الإغاثة، ولكن لأن الطرف الآخر (حركات دارفور) لم توقع، أظهرت الحركة الشعبية أنها هي المعوق حتى تظل مع حركات دارفور وحزب الأمة، بقيادة الصادق المهدي، ثم بدأ كل طرف يتهم الآخر بأنه يعرقل المفاوضات.
فرئيس وفد الحكومة إبراهيم محمود قال في مطار الخرطوم، عقب عودته من محادثات السلام في أديس أبابا "إن محادثات السلام فشلت لغياب جدية الجماعات المسلحة في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مضيفاً، أنهم زعماء مليشيات، الحرب هي كل همهم". وفي المقابل قال متحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان/ قطاع الشمال، "إن المحادثات فشلت لأن الحكومة لم تُرِد السلام، قدمنا تنازلات كبيرة لكن الحكومة ظلت مصممة على مواقفها، ولم ترغب في التنازل عن أي شيء".
أما حركات دارفور، فأشارت في بيان لها أن "الحكومة أصرت على مواقفها القديمة في الاستمرار في الحرب، رغم التنازلات الكثيرة التي قدمناها لإنجاح الجولة؛ بالتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في دارفور"، واتهمت الحكومة بانتهاج أسلوب الابتزاز ضد الوساطة الأفريقية، والضغط عليها بكافة الأساليب لتكرار تجربة التوقيع منفردة على خارطة الطريق.
هذه هي حال السودان جنوبه وشماله، حروب ودماء وفوضى، تضرب حياة الناس، فقد طحن الغلاء، وارتفاع أسعار السلع الضرورية الناس طحناً، وتدنت قيمة العملات المحلية مقابل الدولار بشكل مريع، فقد وصل سعر الدولار الواحد إلى أكثر من (15) جنيهاً في الشمال، وأكثر من (50) جنيها في الجنوب، فصارت الحياة جحيما لا يطاق، والسبب في كل ذلك حكام البلاد الذين رهنوا إرادة البلاد ومقدراتها للغرب الكافر، وبخاصة أمريكا التي لم يكفها فصل جنوب السودان، وما أفرزه من صراعات ومشكلات، فهي طامعة في تفتيت ما تبقى من السودان عبر المفاوضات ومؤتمرات الحوار، لتجعل القائمين عليها شهود زور، ينفذون أجندتها ومخططاتها في البلاد.
فعلى المخلصين من أبناء السودان الأخذ على أيدي من أضاعوا السودان، والعمل على توحيده على أساس الإسلام، في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تقطع يد الغرب الكافر، العابثة ببلادنا، وتوجد الأمن والسلام الحقيقيين.
رأيك في الموضوع