في 26 شباط/فبراير 2024م أعلنت الخارجية الأمريكية عن تعيين توم بيرييلو مبعوثا أمريكيا خاصا للسودان، وجاء في بيان لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن المبعوث بيرييلو يقوم في إطار منصبه بتنسيق السياسة الأمريكية بشأن السودان، وتعزيز الجهود الرامية إلى إنهاء الأعمال العدائية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق، ودعم الشعب السوداني في تحقيق طموحاته بالحرية والسلام والعدالة...
من الملاحظ أن أمريكا ظلت تردد الحديث عن المساعدات الإنسانية، ولا تتحدث عن إنهاء الحرب بصورة جادة، لأنها لم تصل بعد إلى مرحلة إنهاء الحرب، ولا يهمها أن يموت الناس، أو يهجروا، بل المهم عندها أن تحقق ما ترجوه من مخططاتها في السودان، فإذا نظرنا إلى المبعوث الأمريكي الجديد بيرييلو نجده ذا خبرة في مثل هذه الصراعات، لذلك رحب كثير من الخبراء بتعيينه باعتبار أن ذلك علامة إيجابية لإنهاء الصراع المفتعل في السودان، فقد سبق لهذا المبعوث أن أوفدته أمريكا إلى منطقة البحيرات العظمى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما شغل منصب الممثل الخاص للمراجعة الثانية للدبلوماسية والتنمية، التي تجري كل أربع سنوات، وسبق أن تولى تمثيل منطقة الكونغرس الخامسة في ولاية فرجينيا.
فواضح أن توم بيرييلو يتمتع بخبرة طويلة في العمل السياسي، وبخاصة في أفريقيا لمصلحة أمريكا، ويأتي تعيين المبعوث الأمريكي الجديد في الوقت الذي انتهى فيه عمل السفير الأمريكي في السودان جودفري، فبحسب بيان الخارجية الأمريكية، سيتولى السفير السابق دانيال روبنستاين منصب القائم بالأعمال المؤقت في السودان، بصفته مديرا لمكتب الشؤون السودانية، كما سيعمل عن كثب مع المبعوث الأمريكي الجديد توم بيرييلو، وفريق السودان في مكتب الشؤون الأفريقية.
إن تعيين مبعوث أمريكي خاص للسودان بهذه المواصفات، يعني أن أمريكا تريد أن تحكم قبضتها على أوراق اللعبة في السودان، حيث سيتابع هذا المبعوث الجديد كل صغيرة وكبيرة، وسيكون هو الحاكم الفعلي للسودان من خلف ستار، ومن أمامه كذلك، كما سيعمل على إفشال كل مخططات بريطانيا والالتفاف عليها، حتى يكون رجال بريطانيا تحت المظلة الأمريكية مرغمين، وبالفعل بدأ المبعوث الأمريكي الجديد أولى جولاته في 11 آذار/مارس 2024م، وتستمر حتى 23 من الشهر نفسه، فقد جاء في بيان الخارجية الأمريكية في 9 آذار/مارس 2024م، أن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو سيتوجه إلى أفريقيا، والشرق الأوسط، ويجتمع في كمبالا، وأديس أبابا، ونيروبي، والقاهرة، بمجموعة واسعة من المدنيين السودانيين، بما في ذلك أفراد من المجتمع المدني، ولجان المقاومة، وأعضاء في شبكة غرفة الاستجابة للطوارئ، ونساء، وشباب، وغيرهم من المنظمات، والأحزاب السودانية، للاستماع إلى وجهات نظرهم بشأن كيفية تعزيز جهود الاستجابة للاحتياجات الطارئة، والمطالبة بإنهاء النزاع، والإعداد للانتقال الديمقراطي في السودان، ويجتمع المبعوث الخاص في كل من هذه العواصم، فضلا عن جيبوتي، والرياض، وأبو ظبي، بشركاء رئيسيين أفارقة، وإقليميين، كما سماهم البيان، لتوحيد الجهود الرامية إلى إنهاء الصراع المدمر في السودان.
وبالطبع فإن هذه اللقاءات من المبعوث الأمريكي بمنظمات ورجال أوروبا وبريطانيا، هي من أجل ترويضهم للقبول بالحل الذي تراه أمريكا، بعد أن رسمت مسرحا جديدا بهذه الحرب اللعينة.
أما في أرض الواقع، فما زالت الحرب كرّاً وفرّاً بين الجيش والدعم السريع، وليس فيها غالب، وإنما سيطرة هنا وأخرى هناك، ففي الشهور القليلة الماضية كانت السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد لقوات الدعم السريع، وفي هذه الأيام هناك سيطرة، وشيء من انتصارات للجيش في أم درمان، والحديث عن تحرير الجزيرة، وغيرها من أخبار تقدم الجيش، ولكن يبقى الأمر كما تريد أمريكا، وكما تصرح به دائما أن لا حل عسكري للصراع في السودان. وها هي الحرب تقترب من إكمال عامها الأول دون أن يلوح للناس مخرج، حتى وصل البعض إلى مرحلة اليأس من نهاية هذه الحرب اللعينة التي أهلكت الحرث والنسل، فصار أهل السودان بين نازح ولاجئ!!
ونقول لأهلنا في السودان، لقد ثبت واقعيا أن الغرب الكافر المستعمر لا يريد لنا خيرا، وإن ادعى ذلك، فأعمالهم على الأرض تكذب أقوالهم، وصدق الله القائل سبحانه: ﴿يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾، ويقول سبحانه: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾.
فكيف يأتي الخير ممن سماهم المولى عز وجل عدوا مبينا ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾؟! وقد ظهر حقدهم على الإسلام والمسلمين في حرب كيان يهود على غزة هاشم، إذ تكالب كل أهل الكفر؛ من أمريكان، وأوروبيين، وغيرهم على أهل غزة، يساندون كيان يهود بالمال، والسلاح، والدعم العسكري المباشر، وغير المباشر، والدعم اللوجستي، في الوقت الذي يقف فيه حكام دويلات الضرار في البلاد العربية والإسلامية، موقف المتفرج على إخوانهم وهم يذبحون ويقتلون، وتهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وملايين الضباط والجنود مكبلون لا يتحركون لنصرة إخوانهم المسلمين في فلسطين!!
إن الصراع في السودان لن ينهيه تعيين مبعوث أمريكي جديد، ولا أوروبي، إنما الذي سينهي هذا الصراع، وهذه الحرب العبثية اللعينة، هي دولة مبدئية تقوم على أساس الإسلام العظيم وعقيدته؛ دولة تجمع شمل المسلمين، وتوحد أقطارهم المشتتة، وتقضي على حدود سايكس بيكو الوهمية، وتقطع يد الكافر المستعمر، العابث بمقدراتنا وثرواتنا عبر حكام رويبضات، نصبهم على الأمة ليكونوا أسوداً عليها ونعاجاً أمام أعدائها، ينفذون مؤامرات الكفار المستعمرين، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة... دولة تنقلهم إلى عز الدنيا والآخرة، ورضا الله رب العالمين، ندعوكم أن ضعوا أيديكم على أيدي شباب حزب التحرير لنعيدها خلافة راشدة على منهاج النبوة.
* الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع