قبل الحديث عن الصراع الدائر بين قوات الدعم السريع والجيش في السودان، لا بد من خلفية عن واقع قوات الدعم السريع الذي أنشئ بقانون خاص في فترة حكم المخلوع البشير، وغير تابع للجيش بصورة مباشرة وإنما كانت تبعيته مباشرة للقائد العام للقوات المسلحة آنذاك عمر البشير بالتنقيب عن الذهب للصرف على قواته دون حسيب أو رقيب ما جعله قويا في فترة وجيزة.
وكان الغرض الأساس من تكوين هذه القوات هو مساعدة الجيش في القضاء على التمرد في دارفور، وطوال حكم البشير كانت لهذه القوات امتيازات خاصة لا توجد في الجيش، كما سمح لقائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) بأن يملك إمبراطورية مالية ضخمة إضافة لعلاقات إقليمية ودولية خارج إطار الدولة الرسمي. وعندما حدث الحراك ضد نظام الإنقاذ وفكرت اللجنة الأمنية في إنقاذ النظام من السقوط وعملت على تنحية رأس النظام عن السلطة استمالت اللجنة الأمنية حميدتي إلى جانبها بأن يكون جزءا من المجلس العسكري الانتقالي وقد كان.
وبعد توقيع الوثيقة الدستورية في آب/أغسطس ٢٠١٩م بين المجلس العسكري والمدنيين صار حميدتي الرجل الثاني في الدولة نائبا للفريق البرهان رئيس مجلس السيادة بدعم مباشر من أمريكا، فأصبح الرجلان حميدتي والبرهان يمثلان أمريكا في السودان مقابل قوى الحرية والتغيير التي تعتبر تابعة لأوروبا وبخاصة بريطانيا.
ومنذ ذلك التاريخ ظل الصراع الأنجلو أمريكي محتدما في السودان بين العسكر والمدنيين. وبما أن السلطة دائما عند الفئة الأقوى فقد كانت السلطة الحقيقية وما زالت في يد رجال أمريكا قادة العسكر. وبريطانيا عبر رجالها تحاول انتزاع هذه السلطة بجعل الجيش تحت سيطرة المدنيين، ولذلك كان الإصرار على هيكلة الجيش وإصلاحه وتبعيته لرئيس الوزراء المدني.
وعندما شكك كثير من السياسيين والمتابعين لمجريات الأحداث في أن هذا الصراع ليس صراعا جديا اضطرت أمريكا أن تجعله يبدو حقيقيا على أرض الواقع فافتعلت القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع حيث لا يهمها أن تراق دماء المسلمين فهي دماء لا قيمة لها عندها أو عند عملائها، حتى يتيقن الناس من أن الصراع حقيقي، يساعد في ذلك الكراهية التي زرعت بين القوتين منذ زمن بعيد ولا يهم إنْ قتل المئات وجرح الآلاف من الجانبين، بل حتى وإن راح ضحية هذا القتال اللعين المدنيون العزل الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذا القتال الحرام.
إلى أن وصل الأمر لتوقيع اتفاق نهائي بعد أن تم التوقيع على اتفاق إطاري في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، هذا الاتفاق النهائي إذا وقع عليه العسكر بصورته التي أعدها المدنيون يعني نقل السلطة الحقيقية إلى رجال بريطانيا وهو ما لن تسمح به أمريكا مهما كلف الأمر، فكان افتعال صراع بين البرهان وحميدتي الغرض منه نقل الصراع إلى وجهة أخرى وإشغال الساحة السياسية بهذا حتى تقدم القوى المدنية تنازلات تبقي على نفوذ الجيش في السلطة.
وما زال القتل والتخريب والتشريد للناس من مناطق سكنهم وبخاصة العاصمة الخرطوم هو العنوان الأبرز للأحداث في السودان.
بالرغم من إعلان الهدن المتكررة دون التزام بها وكعادة الكافر المستعمر عندما يشعل الحرائق في أي بلد من بلاد المسلمين يكون همه الأول والأساس حماية جواسيسه وسفاراته أوكار التجسس، أما أهل البلاد فليموتوا قتلا بالرصاص أو بانعدام الدواء والغذاء وصدق الله القائل سبحانه: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً﴾.
وقد فهم رجال بريطانيا الرسالة؛ ففي تصريح لقوى الحرية والتغيير لفضائية الحدث أن هدف هذه الحرب هو عسكرة الحياة والقضاء على جذور الحياة المدنية ولذلك تطالب قوى الحرية والتغيير ما يسمى بالمجتمع الدولي بالضغط لإيقاف الحرب، وهي تعلم أنه بيد أمريكا، وكل هم هذه القوى هو الوصول إلى كراسي السلطة ولو على الدماء والجماجم ولا حول ولا قوة إلا بالله. فأمريكا التي أشعل رجالها هذه الحرب تجلي رعاياها وموظفي سفارتها وتعلن تعليق أعمال السفارة وتنذر حسب بيان خارجيتها أنها لا تتوقع أن تتحسن الأحوال الأمنية في السودان على المدى القريب وهي التي تستطيع إيقاف هذه الحرب لو أرادت بإشارة من إصبعها لرجليها البرهان وحميدتي اللذين أذعنا للهدنة التي فرضت عليهما لإجلاء رعاياها وغيرهم، ولكنها تريدها مشتعلة حتى تحقق مرادها على دماء أهل السودان وأشلائهم، وهي سياسة تتبعها في كل مكان لها فيه عملاء تريد منهم أن يتقاتلا لمصلحتها.
أما موقف عملاء أمريكا في المنطقة فقد كان كالعادة مساندة الطرفين لزيادة الحرب اشتعالا، فقد جاء في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية الصادرة في ١٩/٤/2023 الماضي أن الجنرال الليبي حفتر أرسل دعما عسكريا إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فيما أرسل الجيش المصري دعما إلى الجيش السوداني، وقد شهدنا ذلك في حرب اليمن التي يتقاتل فيها عملاء أمريكا بدعم من السعودية وإيران، وكذلك عندما كان المتمرد الهالك قرنق يقاتل جيش البشير وكلاهما عميلان لأمريكا التي كانت تريد فصل جنوب السودان فحقق لها العميلان ما أرادت.
فيا أهل السودان، وبخاصة ضباطه وجنوده: لا تكونوا وقودا لحرب في مصلحة الكافر المستعمر يراق فيها الدم الحرام، بل كونوا أنصار الإسلام واخلعوا ولاءكم لقادة باعوا أنفسهم للشيطان وأعوانه، وأعطوا النصرة لحزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع