أقدمت أمريكا على احتلال العراق لما يمثله من خطر على الوجود الاستعماري، نظراً لما يتمتع به من عمق فكري قاد به الدنيا في يوم من الأيام، وموقع استراتيجي مهم وثروات مادية وبشرية؛ ووضعته في دوامة من الفوضى والدمار للحيلولة دون أن يسهم أهله في استعادة الأمة الإسلامية مجدها وعزَّها، ولنهب خيراته الوفيرة. كانت لهذه الجريمة تداعيات كبيرة على مستويات عديدة سنحاول أن نذكر بعضا منها.
أولاً: المستوى المجتمعي: جعلت أمريكا العراق ساحة لصراع الطوائف والقوميات يصفي بعضها حساب بعض، ولضمان ديمومة هذا الصراع جعلت لكل منها مرجعيتها الخاصة للحيلولة دون اتفاقها جميعا على رأي واحد فأصبح أهل العراق يعيشون تحت شريعة الغاب، لا يأمنون على أرواحهم أو ممتلكاتهم. كما قاموا بكتابة دستور مشؤوم يُعد منبعاً للخلافات والصراعات، فضلا عن تبنيه عقيدة فصل الدين عن الحياة وعدم احترامه للقيم الدينية بتأكيده على الحرية الشخصية والعقائدية؛ ما فتح الباب للإلحاد وكثير من الموبقات.
ثانياً: المستوى السياسي: منذ سقوط بغداد وإلى الآن لا تزال أمريكا هي الحاكم الفعلي للبلد، ولم تكتف بوضع الخطوط العريضة لسياسة العراق بل تدخلت في أدق التفاصيل حيث وزعت المناصب الرئاسية الثلاثة على المكونات، وجعلتها محاصصة طائفية وعرقية، بإعطاء رئاسة الحكومة للمكون الشيعي، ورئاسة البرلمان للمكون السني، ورئاسة الدولة للمكون الكردي، فهيمنت على السلطة مجموعة من الأحزاب التي لا علم لها بالسياسة، ولا هَمَّ لها سوى المَناصب ونهب المال العام. هذه المحاصصة أدت إلى اقتسام المناصب والوظائف بل حتى بيعها، فكان من الطبيعي جدا أن تكون لهذه الأحزاب ارتباطات بدول الجوار الإقليمية وخاصة إيران حارسة مصالح أمريكا في المنطقة، ما زاد في الصراع بين أحزاب السلطة لاختلاف المصالح بين هذه الدول.
ثالثا: المستوى الاقتصادي: فقد سارت به بشكل ممنهج وخبيث على خطين: الأول هو تدمير البنى التحتية بكل أشكالها الخدمية والصناعية والزراعية، ثم العمل بعد ذلك على عدم إعادة بنائها من جديد وإيقاف كافة المصانع وتدمير الأراضي الزراعية التي استولت على الكثير منها العصابات المسلحة بعد طرد مالكيها، والخط الثاني هو السرقات، حيث إن أمريكا جاءت بمجموعة فاسدة لإدارة البلاد همها الوحيد هو نهب خيراته وتدمير منشآته، وهذا ما صرحت به ممثلة الأمم المتحدة في العراق بلاسخارت. أخيرا وعلى الرغم من تضارب الأرقام حول حجم الفساد المالي، إلا أنها تتفق جميعها على أن السرقات التي طالت موازنات البلاد، منذ العام 2003 حتى اليوم، تجاوزت أكثر من ألف مليار دولار، ولهذا فإنه ليس غريبا أن يتبوأ العراق المركز الأول بين الدول الأكثر فساداً في العالم. كانت للسير بهذين الخطين نتائج أكثر من كارثية حيث أصبح البلد غارقا في الأزمات نتيجة انعدام الإنتاج المحلي والعجز في ميزان المدفوعات؛ ولهذا فإن أكثر من 40% من أهله يعيشون تحتَ خطّ الفقر، وكذلك الاعتماد كلياً على دول الجوار في استيراد الكهرباء والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية. وزاد الطين بلة الاستدانة من صندوق النقد الدولي حتى تجاوز الدين العام حد 123 مليار دولار، وهذا يعني التحكم في السياسة الاقتصادية للدولة، وجهات إنفاقها وتحديد أسعار بعض المواد كالوقود، وتحديد قيمة الصرف للدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، وهذا ما نشاهده الآن من انهيار قيمة الدينار.
بعد كل ما تقدم هل يوجد حل؟ نعم يوجد حل بإذن الله تعالى، لكن يجب أن نعلم أولا أنَّ هذا الحال منكر عظيم لا يرضاه الله تعالى، فلا بد من العمل لتغييره بكل جد وكل صدق وكل وعي، وبأسرع وقت وأقصى طاقة. إن حقيقة الحل هي أن نعي أين الخلل، فمن يسعى للعلاج يجب عليه التركيز على المرض. والمرض العضال الذي نعاني منه هو النظام الرأسمالي العفن الذي تمثله أمريكا بأبشع صوره هي ومن سار في ركبها من الكتل السياسية التي نفذت مخططاتها بالمشاركة في العملية السياسية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن، لذلك لا خيار لنا إلا بالثورة على هذا النظام بعلمانيته وديمقراطيته من خلال الوعي على نظام الإسلام وأحكامه، وعدم التماس الخلاص من الطبقة السياسية الموجودة فهي على استعداد لحرق البلد مقابل مصالحها ومصالح أسيادها.
إنَّ الخلاص كل الخلاص من كل ما ذكرناه لا يكون إلا بقلع النظام الرأسمالي من أساسه وتحكيم شرع الله تعالى في جميع نواحي الحياة، في ظل حاكم يرعى مصالحنا وفقاً لشرع الله عز وجل في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة، كما يجب على أهل القوة والمنعة خاصة نصرة العاملين المخلصين لهذا الفرض العظيم، متمثلا بحزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله الذي نذر نفسه لهذا الأمر وهذا الشرف العظيم، لا يثنيه ظلم الظالمين ولا كيد الكائدين، وقد جعل هذه القضية قضيته المصيرية، متأسيا بالرسول الكريم ﷺ. فبادروا برفض مشاريع الكافرين والتحقوا بركب العاملين المخلصين لإنقاذ دنياكم وأخراكم.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ فارس منصور
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية العراق
رأيك في الموضوع