منذ أن دخلت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع شهرها الخامس، ازدادت وتيرتها حدة، واستحر القتل بينهما، واستخدمت كل الأسلحة الخفيفة والثقيلة، من قصف مدفعي وصاروخي، إلى المسيّرات والطائرات الحربية، ورغم مرور أكثر من أسبوعين على هذا التصعيد العسكري من الجانبين، إلا أن أياً منهما لم يحرز نصرا ساحقا على الآخر.
وقد أدى هذا التصعيد العسكري إلى كلفة إنسانية باهظة، حيث سقط المئات من الجانبين بين قتيل وجريح، وبينهما مات العشرات من المدنيين العزل، الذين لا ناقة لهم في هذا الصراع ولا جمل، حيث سقطت عليهم القذائف وهم لا حول لهم ولا قوة.
وكان اللافت للنظر، وبخاصة خلال الأيام الماضية، إصرار قوات الدعم السريع على اقتحام سلاح المدرعات جنوبي العاصمة الخرطوم والاستيلاء عليه، ورغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها خلا محاولاتها المستمرة، إلا أنها لم تستسلم، وظلت تعيد الكرة تلو الأخرى، وكانت أكثر هذه المحاولات ضراوة التي جرت يوم الأحد ٢٠/٨/٢٠٢٣م، حيث اندلعت الاشتباكات منذ الصباح الباكر واستمرت حتى المساء، ثم أعادوا الكرة يومي الاثنين والثلاثاء ٢١ و٢٢ من هذا الشهر، وحينها تضاربت الأنباء حول سقوط سلاح المدرعات في يد قوات الدعم السريع، وبخاصة عندما أطلقوا فيديو مصورا يدّعون فيه أنهم استولوا على سلاح المدرعات، حتى أكد الجيش في تصوير حي أنهم دحروا قوات الدعم السريع.
وفي مساء الجمعة أكد المتحدث باسم الجيش العميد نبيل عبد الله في بيان، أن قوات الجيش بمنطقة الشجرة العسكرية دحرت هجوما جديدا لقوات الدعم السريع على سلاح المدرعات، وما تقوم به قوات الدعم السريع من محاولات لإثبات أنها قادرة على محاصرة الجيش في مقاره، بل وتسعى للاستيلاء على هذه المقرات، خاصة وأنها كانت قد استولت سابقا على مقرات مهمة للجيش مثل اليرموك والاستراتيجية والاحتياطي المركزي جنوب الخرطوم، وهي تحاول مهاجمة الجيش في القاعدة العسكرية بمنطقة كرري شمال أم درمان، وسلاح المهندسين جنوبها.
وبالرغم من أن الجميع يعلم التفوق العسكري للجيش السوداني على قوات الدعم السريع من حيث العدة والعتاد، إلا أن الواقع يخالف ذلك ما يعني أن هناك جهة ما، وهي على الأرجح أمريكا التي يتبع لها الجنرالان (البرهان وحميدتي)، تريد أن توصل رسالة مفادها أن لا منتصر في هذه الحرب، وأنه لا بد من التوافق والاتفاق بين الطرفين، وهو ما تخطط له أمريكا بعد أن أوصلت الحرب السودان، وخاصة العاصمة الخرطوم، إلى العصر الحجري، حيث قضت الحرب على مظاهر الحياة تماما! إضافة إلى المعاناة التي فرضت على سكان الخرطوم بصورة أشد، وعلى باقي السودان بدرجات متفاوتة، فالعاملون في الدولة لم يتقاضوا رواتبهم منذ نيسان/أبريل الماضي، وحتى الذين يعملون في القطاع الخاص، وقد بات الجميع بلا عمل وبالتالي بلا دخل.
أما دارفور فالوضع فيها أسوأ، فقتل وتشريد حتى أضحت بعض مدنها خالية تماما من سكانها بسبب الحرب، والناس مشردون بلا مأوى ولا طعام، وفي هذا الصدد قال مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إن المخزونات الغذائية نفدت بالكامل في بعض مناطق السودان وحذر من أن يدفع النزاع بالسودان المنطقة بأكملها إلى كارثة إنسانية. (سودان تربيون، ٢٥/٨/2023). ومع هذا الحديث عن الوضع الإنساني الكارثي لا بد من وقف الحرب، وهذا ما صرحت به الخارجية الأمريكية، ونقلته قناة الحدث الإخبارية يوم السبت ٢٦/٨/2023 حيث قالت، إن على القوات المسلحة وقوات الدعم السريع وقف القتال فورا.
تُقرأ هذه التصريحات من وكيل الأمين العام والخارجية الأمريكية بالتزامن مع الخروج المفاجئ للبرهان من القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية صباح الخميس ٢٤/٨/2023 وزيارته لسلاح المدرعات، ثم لمواقع عسكرية في أم درمان، ومنها إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، كما تتحدث الوسائط الإخبارية عن وجهته إلى بورتسودان وأنه ربما يشكل حكومة تصريف أعمال، كما تقول الأخبار إنه سيزور مصر والسعودية.
هذا الخروج للبرهان في هذا التوقيت يرجح قرب انتهاء الحرب، والذهاب إلى تسوية يقوى فيها الجانب العسكري في الفترة القادمة، ويضعف فيه موقف القوى السياسية المدنية، التي بدأت تتخوف من خروج البرهان، والحديث عن تكوين حكومة تصريف أعمال، بل صرح بعضهم بأن ذلك سيطيل أمد الحرب.
إنه لمن المؤسف حقا أن تكون بلادنا مسرحا لمؤامرات الغرب الكافر المستعمر، وبخاصة أمريكا، وأن تستباح أعراضنا وأموالنا، وتسفك دماؤنا، ويشرد أهلونا بسبب أطماع المستعمرين، وأن من يحقق لهم ذلك هم عملاء من بني جلدتنا باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وارتضوا أن يكونوا أدوات في تدمير البلاد وتشريد العباد، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
إنه لا خلاص لنا في السودان، وفي كل بلاد المسلمين، بل لا خلاص للعالم أجمع من ظلم الرأسمالية، ونظامها العالمي، إلا بنظام عالمي رباني؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة.
* الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع