بعد مرور ثلاث سنوات على تولي جو بايدن لمنصب الرئاسة في أمريكا، واقتراب دخول أمريكا فيما يعرف بحالة البطة العرجاء، وهي الفترة التي تتميز بعدم طرح مبادرات سياسية جادة وقوية لحل بعض الملفات العالقة والمعقدة مثل قضية فلسطين، نستطيع القول إن ملف قضية فلسطين طوال فترة الحزب الديمقراطي هذه في البيت الأبيض بقي على الرف ولم يوضع على الطاولة المكدسة بملفات كبرى احتلت أولوية في السياسة الخارجية الأمريكية مثل قضيتي روسيا والصين، وملفات مهمة داخلية متعلقة بالاقتصاد والسياسة الداخلية وحالة كسر العظم بين الجمهوريين والديمقراطيين، وهذا التوجه الأمريكي في التعامل البارد مع أي قضية سياسية كفيل بجعل المياه راكدة دون أي أحداث أو مستجدات تستحق الوقوف عليها بالعادة، ولكن هذا ما لم يحدث لقضية فلسطين فقد بقيت في حالة من التوتر النسبي دفعت أمريكا للاستعانة بالأنظمة التابعة لها في بلادنا والضغط على كيان يهود لإبقاء الملف تحت السيطرة ومنع الأحداث من التفجر، وهذه الخصوصية لقضية فلسطين آتية من كونها مرتبطة بعقيدة المسلمين الحية التي لا تقبل الركود والاستسلام رغم غياب الدولة والسلطان، وكذلك من التطورات السياسية الحاصلة في كيان يهود ومخططاته التي لا تتوقف، وأيضاً التغيرات السياسية الحاصلة في المنطقة. وسوف نحاول في هذه المقالة الوقوف بعجالة على بعض المستجدات على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي المتعلق بقضية فلسطين.
فعلى المستوى الداخلي فإن الاحتجاجات على حكومة نتنياهو القومية التوراتية لا تتوقف خاصة بعد التعديلات القضائية الأخيرة، حيث نجح نتنياهو في التقدم خطوة إلى الأمام تحت عنوان إلغاء بند اللامعقولية الذي كان بمثابة فيتو بيد محكمة العدل العليا على قرارات المؤسسة التشريعية أو ما يعرف بالكنيست، واستمرار الاحتجاجات جعل حكومة نتنياهو في حالة من عدم الاستقرار التي تدفع للبحث عن وسيلة لوقفها أو تحويل الرأي العام عنها وإفقادها زخمها، وكما هي عادة يهود في التعامل مع هكذا اضطراب سياسي فإن توجههم في كثير من الأحيان يكون بالتصعيد على إحدى الجبهات، وقد وقع الخيار على الضفة والقدس إلى الآن بشكل واضح تسبب في سفك الكثير من الدماء والدمار، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية للضغط لوقف التصعيد وتحريك النظام الأردني والمصري لدعم السلطة واحتضان الاجتماعات السياسية والأمنية التي تمنع تفجر الأحداث، فكانت قمتا العقبة وشرم الشيخ واجتماع الأمناء العامين للفصائل، ومن ثم القمة الثلاثية مع رئيس السلطة وملك الأردن. وإن كانت تلك الجهود منعت إلى الآن تفجر الأحداث لكنها لم تمنع حالة الغليان خاصة أن الأحزاب الداعمة لتحالف نتنياهو كانت تنتظر هذه اللحظة من التأثير السياسي لتنفيذ مشاريعها التوسعية في الضفة الغربية والقدس وعدم التجاوب معها قد يشكل خطراً على نتنياهو أكبر من الاحتجاجات الداخلية والتجاوب معها يزيد سخونة الوضع وينذر بتفجر الأحداث، وأيضاً فإن هذا التصعيد إلى الآن لم يسعف ضمن هذا الحد نتنياهو بالشكل الذي يريده ولذلك ربما يعمل على زيادته أو ينتقل إلى جبهة أخرى مثل لبنان أو قطاع غزة.
وهذه الحسابات السياسية عند تحالف نتنياهو وسياسة التصعيد في الضفة وتحرك الأنظمة لمنع مزيد من التفجر كان انعكاسها على السلطة مزيداً من الضعف وتراجع النفوذ خاصة في ظل غياب أي أفق سياسي، وهو ما دفع الأنظمة لدعمها ومساعدتها على ترتيب أوراقها السياسية والأمنية، وقد بدأت السلطة العمل على ذلك، فكانت القرارات المتتالية لتغيرات على مستوى المحافظات والحكومة والسلك الدبلوماسي والعمل على إغلاق الملفات المفتوحة مع الناس في الصحة والتعليم. والتركيز على الملف الأمني المتعلق بإعادة السيطرة على المدن والمخيمات وتصفية المجاهدين وتفكيك المجموعات المسلحة.
وعلى المستوى الإقليمي بقيت الأنظمة على اتصال مستمر بحكومة نتنياهو رغم حالة التراجع البسيط للدفء السياسي بسبب التشكيلة الحكومية القومية التوراتية المزعجة لأمريكا والمسببة كثيراً من الصداع للأنظمة التي تتخوف من أن يتسبب العبث المستفز بالقضية والمسجد الأقصى إلى ثورة في بلاد المسلمين تزيل الأنظمة وكيان يهود معاً، وتلك الأنظمة بدورها تعمل على منع تفجر الأحداث، وعلى صعيد آخر متعلق بالمنطقة برز الحديث عن قرب التطبيع بين كيان يهود ونظام آل سعود بشكل علني، ولكن هذا الملف يخضع لحسابات سياسية متعلقة بإدارة بايدن وحكومة نتنياهو ونظام ابن سلمان، حسابات قد تؤجل هذا الإعلان إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية أو قد تعجله، ولكن الشاهد في الأمر هو خيانة نظام آل سعود واستعداده لذلك.
أما على المستوى الدولي، ونخص هنا الولايات المتحدة الممسكة بالقضية، فإن بايدن إلى الآن لم يستقبل نتنياهو في البيت الأبيض وهو منزعج من حكومته التوراتية القومية ومن تمرده على الرغبة الأمريكية في تهدئة الساحة، وهذا قد يدفعه، في حال لجأ نتنياهو إلى تفجير الأحداث بشكل كبير، إلى ترك نتنياهو يدفع الثمن من خلال الأنظمة الإقليمية وأدواتها وأن يتسبب التصعيد في سقوطه لا أن يكون سلماً لتجاوز الاحتجاجات، وهذا يتماشى أيضاً مع رغبة بايدن بتشكل حكومة من الأحزاب المعارضة لحكومة نتنياهو تشجعه للضغط على نظام آل سعود القريب من الحزب الجمهوري لتوقيع اتفاقية التطبيع خلال الأشهر القادمة تكون ورقة انتخابية لبايدن وحزبه وتساعده على جلب أصوات المنظمات اليهودية في أمريكا ودون أن يحسب ذلك الإنجاز لنتنياهو وحكومته.
وفي الختام واضح من تلك المستجدات الحاصلة أنها كلها شر في شر سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وأن قضية فلسطين في نظر الغرب إما على الطاولة للتصفية بما يخدم يهود أو على الرف للإدارة بما يخدم الغرب ويهود، وهذا الحال المؤسف لقضية عقدية عظيمة مثل قضية فلسطين هو بسبب غياب جهة سياسية قوية تدافع عن المسلمين وقضاياهم وتتصدى للغرب ومؤامراته وتحرك الجيوش لدحر قواته وقواعده، وهذا يوجب على أهل مصر والأردن ولبنان وتركيا وباكستان وكل بلاد المسلمين أن يتحركوا لإسقاط تلك الأنظمة الخائنة وإعلان الجهاد والتحرك لتحرير فلسطين وتطهير مسرى النبي ﷺ.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع