تمّ إبرام صفقة غريبة بين أمريكا وإيران بوساطة قطرية أفرج بموجبها عن خمسة أمريكيين مقابل الإفراج عن ستة مليارات دولار أمريكي من الأموال الإيرانية المجمدة في بنوك كوريا الجنوبية بسبب العقوبات الأمريكية.
ووجه الغرابة في الصفقة كون المبلغ ضخماً جداً ولا يتناسب مع قيمة الفدية المدفوعة لإطلاق سراح المساجين المفرج عنهم والذين هم ليسوا من الأمريكيين الأصليين من وجهة نظر الساسة الأمريكيين المتنفذين، فهم على أية حال إيرانيون ولسوا أمريكيين.
وأصرّت إدارة بايدن على تمرير الصفقة بالرغم من اعتراض كيان يهود الشديد عليها واعتراض اللوبي اليهودي في أمريكا والكونغرس الأمريكي عليها.
ولأنّ إدارة بايدن لا تستطيع تمرير الصفقة في الكونغرس بصورة قانونية قامت بتمريرها من خلال استخدام صلاحيات الرئيس وذلك بتمرير صفقة وتفاهمات، وهذا يدل على مدى أهمية هذه الصفقة بالنسبة للإدارة الأمريكية، وأهمية إيران وحكومتها بالنسبة للسياسيين الأمريكيين الفاعلين.
وادّعت الإدارة الأمريكية أنّ الصفقة ضرورية لها للأسباب التالية:
1- اندراجها تحت استراتيجية الردع والضغط والدبلوماسية التي تنتهجها إدارة بايدن.
2- كونها تُساهم في احتواء الصين وإفشال روسيا في أوكرانيا.
3- الضغط على إيران لوقف بيع طائراتها المسيرة إلى روسيا.
4- تخفيف حدة التوتر مع إيران وإحياء محادثات أوسع نطاقاً معها حول برنامجها النووي.
وهذه المُبررات التي قدّمتها أمريكا لتمرير الصفقة لا تُسهم إلا في تحسين وضع إيران الاقتصادي والسياسي ورفع مكانتها إقليمياً، وهو ما يتناسب مع كون إيران تسير في فلك أمريكا، وتلبي احتياجات أمريكا وتساهم في زيادة نفوذها في المنطقة، لذلك فأمريكا معنية بمساعدتها ورفع العقوبات عنها بمنحها المليارات من الدولارات لحاجتها الشديدة إليها لتخفيف أزمتها الاقتصادية الخانقة، ولتمكينها من القيام بلعب دورها المرسوم لها في المنطقة لخدمة المصالح الأمريكية على أحسن وجه.
ولإكمال المسرحية بين أمريكا وإيران قامت إيران بإطلاق بادرة حسن نية تتعلق بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم دون الستين بالمائة، وبالمقابل وعدت أمريكا بعدم فرض عقوبات جديدة عليها.
ودافعت الخارجية الأمريكية أمام منتقديها عن الصفقة بأنّ المبالغ المفرج عنها هي أموال إيرانية مستحقة لها من بيع النفط لكوريا الجنوبية، ورفضت الإفصاح عن تفاصيل عملية إتمام صفقة تبادل السجناء مع إيران بحجة أنّها ما زالت جارية.
وأمّا بالنسبة لكوريا الجنوبية فاستفادت هي الأخرى من الصفقة باعتبارها تابعاً مهماً لأمريكا في الشرق الأقصى فكوفئت بمليار دولار أمريكي جراء خفض قيمة عملتها أمام الدولار لأنّ أصل الصفقة سبعة مليارات فخسرت إيران ملياراً منها بسبب فرق العملة ذهب لصالح كوريا الجنوبية.
ولعل من أهم دلالات هذه الصفقة ضعف تأثير كيان يهود على إدارة بايدن، وتأكيد أهمية الدور الإيراني في المنطقة بالنسبة لأمريكا، فهو دور لا غنى لها عنه.
ويفهم من هذه الصفقة أنّ أمريكا لا زالت اللاعب المُهيمن في العالم، فهي وحدها التي تقرر فرض العقوبات على الدول وهي وحدها التي تقرر رفعها كما يحلو لها.
وهذه الصفقة أيضاً كشفت دور إيران المشبوه في التعاون مع أمريكا، وأظهرت أن الصراخ الإعلامي والسباب والتلاعن بين الدولتين هو مجرد طنين أجوف لا يؤثر في طبيعة العلاقات المصلحية بينهما.
إنّ الطريق الوحيد الصحيح في التعامل مع أمريكا هو عدم التعاون معها تحت أي ظرف من الظروف، فهي دولة عدوة حاقدة على الإسلام والمسلمين، بل هي الدولة الأولى في العالم التي تُحارب الإسلام وتتآمر على المسلمين، وتنتهك حُرُماتهم، لذلك يجب اتخاذ استراتيجية الحرب الفعلية معها، وعدم الانحناء لها مطلقاً كما يفعل حكام العمالة والخيانة معها هذه الأيام، ويجب رفض التفاهم معها بأي أسلوب من الأساليب، ولأي سبب من الأسباب.
رأيك في الموضوع