بدأ استعمار أفريقيا من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا والبرتغال وإسبانيا منذ القرن السابع عشر الميلادي، ومع بداية القرن التاسع عشر كانت جميع الدول في أفريقيا قد خضعت لاستعمار الدول الأوروبية، بواقع 65% من الأراضي الأفريقية لنفوذ بريطانيا وفرنسا.
وقد أجبرت فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية على منح دول أفريقيا استقلالا من ناحية الاحتلال العسكري، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية التي أرهقت أوروبا عسكريا وماليا. ثم إن أمريكا بعد أن تربعت على قيادة النظام الدولي مع الاتحاد السوفيتي، بدأت تعمل على بسط نفوذها على مناطق في آسيا وأفريقيا وأوروبا. فكان أن شجعت عمليات التحرر من الاستعمار القديم بمساعدة الاتحاد السوفيتي الذي تبنى فكرة التحرر من الاستعمار كجزء أساسي من عقيدته الشيوعية؛ ما أدى إلى حصول معظم الدول في أفريقيا على استقلالها عن فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها بحلول العقد السادس من القرن الماضي، أي بعد أقل من 20 عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبالتالي فقد أصبح الصراع على بسط النفوذ مفتوحا لأمريكا بعد أن كان مغلقا وحكرا على الدول الأوروبية التي أخضعت أفريقيا لنفوذها واحتلالها منذ القرن التاسع عشر. بل تجذر نفوذ بريطانيا وفرنسا تحديدا في أفريقيا من خلال النفوذ المالي والتجاري والثقافي، ومن خلال نفوذهما في المؤسسات العسكرية التي أنشأتها ودربتها. وقد اكتشفت أمريكا مبكرا أن استبدال نفوذها بنفوذ فرنسا وبريطانيا في أفريقيا ليس أمرا سهلا، بل يحتاج إلى وقت وتخطيط وترتيب.
استطاعت أمريكا إحراز تقدم مهم في عملية استبدال نفوذها بالنفوذ الأوروبي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسبب الضعف الشديد الذي أصاب أوروبا نتيجة الحرب، وبسبب وجود الاتحاد السوفيتي الذي دعم حركات التحرر القومي في الدول الأفريقية وغيرها. إلا أن أوروبا بدأت تتخلص من آثار هذه الحرب منذ ثمانينات القرن الماضي، وبدأت بإنشاء السوق الأوروبية المشتركة عام 1957 ومن ثم التحضير لإنشاء الاتحاد الأوروبي. ولعل انهيار الاتحاد السوفيتي سنة 1991 وخروجه عمليا من النظام العالمي منح أوروبا فسحة للتنفس، وقلل من قدرة أمريكا على الاستمرار بتخويف أوروبا من العملاق النووي في مجالها الحيوي؛ ما أدى إلى استمرار نفوذها خاصة فرنسا في دول الساحل والوسط الأفريقي. كما أتاح فرصة لأوروبا لإخراج اتفاقية ماسترخت التي أوجدت رسميا وعمليا الاتحاد الأوروبي عام 1992 وتمكنت من إخراج نقدها الموحد اليورو عام 1999 واتفاقية الشنغن عام 1995 التي رفعت القيود ومراقبة الحدود بين معظم دولها، كما تمكنت من توسيع نطاق اتحادها بإدخال معظم دول أوروبا الشرقية فيه. وقد استفادت فرنسا على وجه الخصوص من الظروف الدولية التي استجدت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بتركيز نفوذها في مستعمراتها السابقة.
ومع ذلك لم تتخل أمريكا عن خططها في بسط نفوذها على القارة الأفريقية. فكانت زيارات أوباما التاريخية لأفريقيا في الأعوام 2009، و2013، و2015 مؤشرا على اهتمام أمريكا بالقارة وبتصفية النفوذ القديم فيها والحلول محله، إضافة إلى حرمان أوروبا وعلى رأسها فرنسا من أحد مصادر قوتها والذي يساعدها على الخروج من تحت مظلة أمريكا، خاصة الناتو. وقد شهدت الدول الأفريقية عدة انقلابات عسكرية متتالية في مالي وبوركينا فاسو وأخيرا النيجر وهي من أهم معاقل النفوذ الفرنسي في أفريقيا. وفي الوقت الذي تحث فيه فرنسا على استعمال القوة العسكرية لإحباط انقلاب النيجر، فإنها تصر على حل دبلوماسي، ما من شأنه إعطاء فرصة أكبر لنجاح الانقلاب.
لا شك أن أمريكا قد استفادت كثيرا من الظرف الدولي الجديد الذي تميز بالحرب الروسية الأوكرانية، وانغماس أوروبا فيها بشكل كبير عبر دعم أوكرانيا عسكريا وماليا، وتحملت الجزء الأكبر من فاتورة أوكرانيا في الحرب؛ حيث بلغت ميزانية الإنفاق على الدفاع في فرنسا 450 مليار دولار للفترة من 2025 إلى 2030 أي بزيادة 40% عن الميزانية السابقة للفترة 2019-2024. وقد برر الرئيس الفرنسي ماكرون هذه الزيادة بقوله "إنها ضرورية لحماية حرية وأمن فرنسا"، بينما علقت قناة فرانس 24 بأن هذه الزيادة الكبيرة تأتي نتيجة للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.
والمرجح أن الفترة القادمة ستشهد انحسارا أكبر للنفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية واستغلال أمريكا ذلك لزيادة نفوذها الاستعماري الأشد وطأة على الشعوب الأفريقية وغالبيتهم من المسلمين.
أسأل الله أن تكون هذه المحن التي تتنزل على المسلمين في بقاع الأرض حافزا لهم لأن ينهضوا من كبوتهم ويتسنموا زمام أمرهم بأيديهم ويعيدوا للأمة عزتها ويرفعوا عنها ضنك العيش في ظل الاستعمار الفرنسي والإنجليزي والأمريكي وعملائهم، ويقيموا دولة الخلافة على منهاج النبوة، لتوحد الأمة كلها تحت راية واحدة؛ راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
رأيك في الموضوع