ردد كثير من زعماء يهود أن الحرب القائمة الآن في فلسطين ولبنان هي حرب وجودية، بمعنى أن كيانهم سينتهي إذا لم يكسب المعركة. وهذه المعركة لها أبعاد كثيرة؛ عسكرية وسياسية واقتصادية وعقدية. فأما العسكرية فقد شهد العالم كله كيف أن المقاومة بأقل أنواع الأسلحة عددا وفاعلية أربكت يهود وكبدتهم خسائر ذات أهمية كبرى وهم قوم يحرصون على الحياة ويهابون الموت. وقد رأينا التصدع السياسي داخل الكيان بين أفراد القيادة وبين القيادة والناس. كما كشفت الحرب عن هشاشة عقيدة يهود حين فزعوا بعشرات الآلاف إلى المطارات والموانئ هربا من الموت والخسارة.
كما ظهر مليا مدى هشاشة البنية الاقتصادية لكيان يهود. فالشركات العالمية التي كان يعتمد عليها بدأت تهرب منه واحدة تلو الأخرى. فقد ذكرت صحيفة معاريف أن أكثر من 40 ألف شركة تم إغلاقها منذ بداية الحرب، وترى الصحيفة أن هذا العدد سيرتفع إلى 60 ألف شركة مع نهاية عام 2024. وقد شملت الشركات المغلقة تلك المتعلقة بالبناء والطرقات والمواد الغذائية والتعدين وغيرها. ولم يسلم أي قطاع من تعرضه لإغلاق شركاته. ويرجع أمر إفلاس وإغلاق هذه الشركات والمؤسسات إلى نقص الأيدي العاملة، وتدني مستوى المبيعات، وارتفاع سعر النسبة الربوية، وارتفاع كلف التمويل، وكلف الشحن والمواصلات، ونقص المواد الخام المستوردة من الخارج، وصعوبة الوصول إلى الأراضي الزراعية، وانحسار كمية المستهلكين للمنتجات، خاصة مع رحيل الآلاف واستعداد الكثيرين لمغادرة الكيان.
كما نشرت مجلة ميدل إيست مونيتور بتاريخ 5/6/2024 مقالا بعنوان "الاقتصاد (الإسرائيلي) يترنح تحت وطأة عدوانها على غزة". حيث ارتفعت الأسعار بشكل أرهق كاهل يهود ما أدى إلى هروب الآلاف من شظف العيش كما هربوا من الخوف من آثار الحرب. فعلى سبيل المثال ارتفع سعر منتجات البترول بنسبة تزيد عن 12%. وعلى الصعيد الدولي فقد تم تخفيض التصنيف العالمي للكيان من أكثر من شركة من شركات التصنيف ولأول مرة في تاريخه. ولعل أحد أسباب هذا التخفيض عائد إلى الكلفة المرتفعة للحرب، والتي قد تصل إلى أكثر من 65 مليار دولار حتى نهاية العام الحالي. بالإضافة إلى انخفاض النمو الاقتصادي في الربع الأخير من سنة 2023 الذي وصل إلى حوالي 20%. وقد تسببت الحرب وتكاليفها بانخفاض نسبة النمو الاقتصادي لدى الكيان من 6.5% عام 2022 إلى أقل من 2% في العام 2023. كما عمد البنك المركزي لدولة الاحتلال بالإضافة إلى بنك جي بي مورجان الأمريكي إلى تخفيض نسبة نمو الاقتصاد للكيان إلى 0.5% بدلا من 3.6%.
وقد أشارت جريدة لوموند الفرنسية إلى دخول الاقتصاد في كيان يهود في مرحلة انكماش وعدم استقرار نتيجة الحرب الدائرة بينه وبين المقاومة في فلسطين ولبنان، ما يؤثر على كل مناحي الحياة الاقتصادية.
وقد تأثر اقتصاد الكيان بشكل كبير بمغادرة القوة العاملة المستوردة من الخارج بديلا عن العمال من فلسطين والذين كانوا يؤمنون العمالة اليومية بنسبة 25% من العمالة في دولة الكيان للشركات الصناعية، ولم يتم تعويض هذا الكم من العمالة سواء من الداخل أو من دول أخرى.
وقد تأثر سعر الشيكل مقابل الدولار حيث خسر أكثر من 20% من قيمته مقابل الدولار، بالرغم من أن البنك المركزي كان قد قرر استخدام 30 مليار دولار لدعم الشيكل.
وبالمحصلة فإن أثر الحرب القائمة على اقتصاد الكيان شديد، ومن شأنه أن يقوض الاقتصاد من أساسه، وأن يغرق الكيان بالدين العالمي لعقود كثيرة. إلا أن الحقيقة التي لا بد من الالتفات إليها هي أن هذا الكيان كله مصطنع، من جميع النواحي بما فيها الاقتصادية. فالشعب فيه مصطنع وتم تهجيره من دول العالم المختلفة وأهمها أوروبا ليشكل شعباً من الشتات. ووجود الكيان من أصله مصطنع من بريطانيا ابتداء ومن ثم معتمدا على أمريكا. وتمويل الكيان ماليا ليبقى قائما حتى لا ينهار قادم من الخارج، من أمريكا بشكل رئيس كدولة، ومن المنظمات اليهودية في أمريكا والتي يسمح لها بالتبرع للكيان مقابل تخفيض الضرائب المترتبة عليهم. ولم يقدم هذا الامتياز لأي جهة مطلقا في أمريكا إلا ليهود. وخلال الحرب القائمة قدمت أمريكا للكيان ما يزيد عن 20 مليار دولار حتى الآن، وقد تتجاوز 30 مليار دولار مع نهاية العام الحالي 2024. هذا بالإضافة إلى الدعم المقدم من دول أوروبية أخرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا. فهذا الكيان قائم على دعامات من الدول التي عملت على إنشائه وتكفلت بوجوده واستمراره، كما ورد على لسان رئيس أمريكا بايدن "لو لم تكن (إسرائيل) موجودة لكنا أوجدناها" بالإضافة إلى التصريح المستمر بالتعهد بحماية أمن الكيان ووجوده مهما كلف الثمن.
من هنا كان لا بد من الإدراك الدائم أن وجود هذا الكيان ما هو إلا شكل من أشكال وجود الغرب الكافر المستعمر في بلاد المسلمين. ولا يعدو هذا الكيان عن كونه قاعدة متقدمة ودائمة لأمريكا وبريطانيا، تستعملها لضرب مصالح المسلمين، والحيلولة دون نشوء قوة ودولة قوية في المنطقة. فالكيان كله يعتمد في وجوده وماله واقتصاده وشكله على الغرب الكافر. ولعل ذلك بعض مما تشير إليه الآية الكريمة، ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾. فعند الإعداد لا بد من إدراك واقع العدو المباشر ومن يقف وراءه. فاقتصاد الكيان حبل ممتد إلى أمريكا كالوريد الذي يغذي الطفل وهو في رحم أمه. ولكن الله بالمرصاد، وأسأل الله أن يمن على هذا الأمة بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تنسي أمريكا وربيبتها وعملاءها وساوس الشيطان، وما ذلك على الله ببعيد.
رأيك في الموضوع