بوقاحة فظة يصر النظام التركي على السير ضمن خطوات الحل السياسي الأمريكي، فقد حث خطوات التقارب مع نظام الإجرام، ساعيا لتنفيذ الحل السياسي عبر إيجاد فكرة القبول به والتفاوض معه، من خلال التصريحات المتكررة حول وجوب التصالح والحوار معه، وأخيراً عقد اللقاء الثلاثي بين وزراء تركيا وروسيا وسوريا، وكذلك التصريحات بعقد لقاءات أكثر على مستويات أعلى.
يأتي هذا الإصرار بعد سلسلة من المكائد التي حاكها النظام التركي لثورة الشام وأهلها، فلقد كانت اتفاقيات أستانة المتعددة، وما لحقها في سوتشي وطهران والرياض، نتج عنها تسليم مناطق شاسعة للنظام المجرم بدءاً بمدينة حلب وانتهاء بمدينة درعا، ثم طريق أتوستراد حلب دمشق وما يحيط به من مدن وقرى في مطلع عام ٢٠٢٠م.
هذا التاريخ من الخذلان والمكر بثورة الشام، وما رافقه من الإمساك بزمام قادات الفصائل والحكومات الوظيفية، جعل النظام التركي يشعر بقدرته على السير أكثر ضمن خطوات الحل السياسي، حتى إن وزير خارجيته اعتبر أصوات الناس التي خرجت ترفض تصريحاته أنها قلة ترفضها انطلاقاً من مصالحها الشخصية، كذلك جعله لا يأبه بأصوات الرفض، ويستمر بتصريحاته المستفزة.
ومن عجيب التطبيل، وغريب التبرير أن يُقال إن النظام التركي يسعى للتقارب مع النظام المجرم بحثاً عن مصالحه، أو لتحقيق مكسب انتخابي، فما الذي يملكه النظام المجرم المتهالك حتى يعطيه له، سواء من حيث المصالح أو لدعم العملية الانتخابية؟ ثم كيف يفسر كل عمليات التسليم السابقة التي ما كان ليحصل عليها النظام المجرم لولا الاتفاقيات السياسية في أستانة وسوتشي؟
إن سنوات الثورة التي قاربت على الاثنتي عشرة كانت كفيلة لتصنع وعياً على كثير من أبجديات الثورات، فقد بات مُدركاً لدى الكثير أن الثورة التي تقبل أن تأخذ المال فإن مصيرها إلى زوال، وأن أنصاف الثورات تعني تضييع التضحيات، وأن قرار الثورة لا بدّ أن يبقى بيد أهلها، وأن ترتيب الصفوف والعمل الجماعي هو من أهم الأسس التي تبقي الثورة متماسكة، وأنه لا بد أن تتصف القيادة السياسية للثورة بالوعي والإخلاص، إضافة لضرورة أن تمتلك مشروعاً واضحا مبلوراً، وكذلك تصوراً كاملا للطريق المُوصل إلى الغاية، وتحقيق الأهداف المرجوة.
إن تشكّل الوعي على كل هذه الأمور يعتبر خطوة مهمة في طريق النصر، إلا أنها بالتأكيد ليست كافية، بل لا بد من السير ضمن خطوات عملية من شأنها أن تحقق هدف استعادة قرار الثورة، حيث إن هذا الهدف لا بد له من عمل جماعي، وأي عمل جماعي يبدأ بفرد أو عدة أفراد يدركون أهمية استعادة القرار، ويشعرون بالخطر المحدق بالثورة نتيجة سلبها قرارها، فيتحرك أو يتحركون لجمع الناس من مثلهم، ليتوافقوا على رسم مسار الثورة بما تشكل لديهم من وعي على أبجدياتها.
هذه الخطوات العملية يجب أن يكون نبراسها ومستندها قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ﴾، فإن هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى يجب أن يعمل به ضمن ميزان مستقيم يميز بين الصادق وبين الكاذب، فليست الخطوات المطلوبة مجرد عملية تجميعية دون أسس واضحة، أو دون تمحيص دقيق لمن هو أهل لأن يكون جزءاً من خارطة الطريق لاستعادة القرار.
ويجب أن لا يغيب عن الأذهان ولا بأي حال بأن النصر الذي نرنو إليه هو من عند الله الواحد الأحد، وهو سبحانه قد حذرنا من حبس النصر، وفقد ولايته حال الابتعاد عن الصادقين والميل نحو الظالمين، فقد قال تعالى: ﴿وَلا تَركَنوا إِلَى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وَما لَكُم مِن دونِ اللَّهِ مِن أَولِياءَ ثُمَّ لا تُنصَرونَ﴾.
رأيك في الموضوع