اشتد هذه الأيام الصراع في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية، وجبهة تحرير التيغراي التي أعلنت في 31/10/2021م، أنها تحالفت مع قوات من إقليم أورومو وأنها تقدمت جنوبا واستولت على ديسي وكومبولتشا (أقرب نقطة من العاصمة الإثيوبية) ومطارها ويمكن أن تزحف صوب العاصمة أديس أبابا. وفي 1/11/2021م أعلنت أديس أبابا حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد، ودعت السكان إلى تنظيم صفوفهم للدفاع عن المدينة عن طريق حمل السلاح والدفاع عن أحياء العاصمة.
لقد تفجرت هذه الأحداث منذ العام 2018، عندما تولى آبي أحمد عميل أمريكا وضابط المخابرات السابق، السلطة في إثيوبيا وأعلن إصلاحات سياسية، وشملت هذه الإصلاحات تنحية قادة في الجيش والمخابرات من أبناء إقليم تيغراي، وتعيين قادة من قوميتي الأمهرة والأورومو في مواقعهم، وتعمقت الأزمة بعد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في آب/أغسطس 2020 بسبب جائحة كورونا، ما أدخل البلاد في نزاع دستوري، واتهمت قوى المعارضة، ومنها جبهة تحرير تيغراي، اتهمت آبي أحمد باستغلال الجائحة لتمديد ولايته، ونُظمت الانتخابات في الإقليم من جانب واحد في 9 أيلول/سبتمبر 2020م، لكن الحكومة المركزية رفضت الاعتراف بنتائجها، واشتدت حدة الخلاف بين أديس أبابا وجبهة تحرير تيغراي، وتحولت إلى نزاع مسلح منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020م، إثر ذلك تدخل الجيش الإثيوبي في الإقليم، ونظمت فيه الحكومة المركزية انتخابات جديدة لتشكيل حكومة محلية جديدة، وفي حزيران/يونيو 2021م، استعادت جبهة تحرير تيغراي السيطرة على عاصمة الإقليم ميكيلي، وشهدت المدينة احتفالات لأنصار الجبهة.
إن المراقب للأحداث في إثيوبيا يعلم أن أمريكا هي المتحكمة في الأوضاع فيها بواسطة عملائها من الحكام والسياسيين، وأدواتها مثل الاتحاد الأفريقي، فأمريكا هي التي فصلت أريتريا عن إثيوبيا، وجنوب السودان عن شماله، وها هي تهيئ إثيوبيا للطريق ذاته فقد "وصفت واشنطن ما يحدث في إثيوبيا بالحرب الأهلية" (الجزيرة نت 10/11/2021م)، كما أرسل الاتحاد الأفريقي الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانغو مبعوثه الخاص إلى المنطقة، واجتمع مع آبي أحمد. وانتقل إلى ميكيلي عاصمة تيغراي للقاء قادة جبهة تحرير شعب تيغراي. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الوزير أنتوني بلينكن تحدث مع أوباسانغو الأربعاء وأعلن "دعما قويا" لجهود الوساطة التي يبذلها، كما أعرب عن أمله في وجود "إمكان" للتقدم، وقال بلينكن إن القتال في إثيوبيا يجب أن ينتهي، وأضاف في تغريدة على تويتر "يجب أن تبدأ مفاوضات سلام على الفور دون شروط مسبقة سعيا لوقف إطلاق النار". (الجزيرة نت 5/11/2021م).كما "قدم المبعوث الأمريكي إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان مقترحات وخارطة طريق لإنهاء الأزمة في إقليم تيغراي بإثيوبيا، التي تتضمن وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات إلى ما قبل الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وإيصال المساعدات الإنسانية، وبدء الحوار فورا" (الجزيرة نت 6/11/2021م).
وتحت عنوان: إثيوبيا.. هل نحن أمام يوغسلافيا جديدة في القرن الأفريقي؟ الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل إثيوبيا وبقاء نظامها الحالي، فهل تذهب إلى حد التفكك؟ تقول مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية "إن إثيوبيا تعاني الآن من اضطرابات مأساوية جديدة تهددها بالانهيار وتغرقها في جحيم الصراعات العرقية القومية". وفي مقال بصحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 9/11/2021م تحت عنوان: "كيف مزق رئيس الوزراء آبي أحمد إثيوبيا؟". وتحت عنوان: "تصاعد خطير لخطاب الكراهية عبر الإنترنت و"إهانات عرقية" في إثيوبيا" حذرت منظمة العفو الدولية من أن إثيوبيا تتأرجح على شفا كارثة حقوقية وإنسانية، وسط تطورات مقلقة مرتبطة بتفاقم نزاع تيغراي. كان هناك ارتفاع مثير للقلق في عدد التعليقات على وسائل التواصل التي تدعو إلى العنف العرقي. (الجزيرة نت 9/11/2021م). كما نشرت واشنطن بوست بتاريخ 7/11/2021م تحت عنوان: "الحرب الأهلية الشاملة على أبواب إثيوبيا". وقد نشرت الجزيرة نت تحت عنوان: "من صناعة الحكام إلى حلم الانفصال.. تعرف أكثر على جبهة تيغراي الإثيوبية" بتاريخ 3/11/2021م، ما نصه: "ما يزيد المخاوف من أن إقليم تيغراي قد يذهب في خطوة أبعد من المواجهة، ويقرر الانفصال عن دولة إثيوبيا المركزية، مستندا إلى الحق الذي منحته له المادة (39) من دستور البلاد لعام 1995، والتي تجيز لكل شعب من شعوب إثيوبيا حق تقرير المصير والانفصال غير المشروط". كما اتهمت وزيرة الدولة في مكتب الاتصال الحكومي الإثيوبي سلاماويت كاسا الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالسعي لتفكيك إثيوبيا، وقالت كاسا في حديثها لحلقة 10/11/2021 من برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة إن "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" تحاول إدخال البلاد في حرب أهلية من أجل تفكيك إثيوبيا.
لقد فشلت أنظمة المستعمر الديمقراطية التي منها الفيدرالية في الحفاظ على وحدة البلاد وصهر الشعوب، بل زادت الشقة وعمقت الجراح في كل أنحاء البلاد، ومكنت للمستعمر من تأجيج الصراعات وبث الفتن على قاعدة فرق تسد، ولن يوقف هذه الفوضى التي تصنعها الدول الاستعمارية إلا دولة تقيم الإسلام وتطبق شرعه، وتساوي بين الناس في الحقوق، وتقيم العدل، وتحقق الأمن، ولا يكون ذلك إلا في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهلا أدرك أهل هذه البلاد هذه الحقيقة ولفظوا أنظمة المستعمر وأيدوا نظام رب العالمين؟!
مساعد النطاق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع