جُعلت السلطة في أصلها لأجل رعاية شؤون الناس لا للتسلط عليهم وإهدار كرامتهم ونهب خيراتهم، بينما السلطة في بلاد المسلمين منذ هدم الخلافة صُنعت لتأمين مصالح الغرب، والتسلط على رقاب الناس، ومنع تحررهم من الاستعمار، واستعادة سلطانهم السياسي الذي جعله الله حقا لهم.
والحكم في لبنان منذ أن صنعته فرنسا وسلمته للموارنة من النصارى كان همهم أسيادهم في الخارج، وتزيد سوءا عن الحكومات الجبرية في بلاد المسلمين بكونها سلطة طائفية وعنصرية وحاقدة، يديرها قادة طائفيون أشبه بقادة العصابات، علاوة على أنهم طبقة من اللصوص المجرمين سرقوا المال العام وسفكوا دماء أهل لبنان وعمقوا الانقسامات بين أهله.
وفي هذة المدة التي يعيش فيها لبنان أزمة جديدة اقتصادية فوق أزماته، حيث انهارت العملة وغلت أسعار المواد الغذائية والدواء والاستشفاء والمحروقات، بل وفُقد بعضها نتيجة احتكار حيتان المال وكبار التجار الفجار ومعظمهم من الحكام أو شركائهم، وتسبب بهذه الأزمة الجديدة والأزمات القديمة أمور عدة يبرز فيها غياب السلطة التي ترعى الشؤون.
* فلبنان منذ أعلنته فرنسا في سنة ١٩٢٠ هو دولة هشة مشوهة غير قابلة للحياة إلا بتنفس صناعي، يتمثل بالسيطرة عليه من دولة إقليمية أو عالمية، كفرنسا ثم بريطانيا ثم أمريكا.
* عدم رعاية شؤون الناس بوصفهم سواسية أمام القانون، بل بحسب قوة الطائفة، وهو ما يجعله دوماً قابلاً للانفجار في أية لحظة كما حدث منذ مدة في حوادث عدة مثل حادثة خلدة، والطيونة - عين الرمانة.
* هذا الحكم الذي يعتمد الطائفية في مؤسسات البلاد أدى إلى انقسام أهل البلد وتقاتل الطوائف والمذاهب بين الفينة والأخرى وتكتلت كل طائفة حول زعيمها ضد الطائفة الأخرى وتعززت العصبية والحقد خاصة ضد المسلمين من المهجرين من أهل فلسطين وسوريا.
* تقديس نظام الحكم الرأسمالي في لبنان للقيمة المادية والمصلحة الآنية، ما جعله يعمل لإنقاذ أرباب رؤوس المال، من البنوك التي تعتمد الربا أساسا في تعاملاتها، فلبنان يدفع سنويا ربا الدين حوالي 8 مليار دولار، إضافة لسكوت النظام عن تهريب مليارات الدولارات خلال الأزمة رغم منع نقل الأموال.
* وقد بلغ المال العام الذي نهبه هؤلاء مئات المليارات، وفي ظل تهافت الناس على حاجاتهم الأساسية المفقودة باهظة الثمن نرى الحكام يختلفون ويعطلون البلد لأجل مناصب يسرقون من خلالها ما تبقى في جيوب الناس.
كل ذلك هو تعبير عملي عن غياب السلطة والدولة التي ترعى الشؤون، ووجود حكام يجعلون البلد مزرعة تجر عليهم الأرباح ولو كان هذا على حساب انهيار البلد ودخول أهله في نفق مظلم.
وهنا لا بد من وقفة للنظر في العلاج الناجع لأزمات لبنان، والذي يتمثل في:
* إسقاط الطبقة السياسية الحاكمة ومصادرة أموالها وأموال شرائها وحيتان المال وكبار التجار المحتكرين ومعاقبتهم عقوبات زاجرة رادعة ليكونوا عبرة لغيرهم.
* إلغاء التعامل بالربا ووقف دفع العوائد الربوية الضخمة التي ضربت الاقتصاد.
* فرض ضرائب على الأغنياء بقدر ما يسد حاجة الفقراء.
* كشف عملاء الخارج وعدم الخضوع للإملاءات الخارجية.
ولا يتوهمن أحد أن هؤلاء السياسيين يعالجون الأزمة الاقتصادية وغيرها، من خلال تشكيل حكومة أو السير في شروط صندوق النقد الدولي الذي سيؤدي إلى مزيد من سيطرة الخارج على ثروات البلاد وحكمه.
حتى ما ذكرناه من علاجات فهي معالجات آنية ريثما يهيئ الله تعالى لهذه الأمة الحل الجذري بإعادة سلطانها وتحكيم شرع ربها، ويرجع لبنان إلى أصله جزءا من أمة لا يفرق بينها حدود ولا يسود فيها عميل حقود، وتقودها دولة وسلطة ترعى الشؤون كما أمرها رب العالمين.
بقلم: الشيخ د. محمد إبراهيم
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان
رأيك في الموضوع