كان من المتوقع بنسبة كبيرة جدا فوز المرشح الرئاسي للانتخابات في إيران حجة الإسلام رئيسي (60 عاما) الذي كان يتولى رئاسة السلطة القضائية منذ 2019، وهو من المدافعين عن "النظام العام" ولو بالوسائل المتشددة، نستطيع القول إن الانتخابات فُصّلت على مقياس رئيسي حيث تقدم للانتخابات الرئاسية نحو 600 مرشح، صادق المجلس على سبعة فقط، هم خمسة من المحافظين المتشددين واثنان من الإصلاحيين ومع انسحاب ثلاثة مرشحين هم الإصلاحي محسن مهر علي زاده، والمحافظين المتشددين سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني اللذين أيدا رئيسي، وتم منذ البداية رفض أوراق بعض المنافسين الحقيقيين له أمثال أحمدي نجاد والذي يقف خلفه بعض المجموعات القوية في إيران، وظهر هذا واضحا في تحريك الشارع الإيراني والاضطرابات والانتقادات القوية للسلطة على رأسها خامنئي، ولم تستطع السلطة محاكمته لعلمها بمن يقف خلفه من الداخل الإيراني، وهذا الخط أي خط أحمدي نجاد سبقت تجربته لقمع المعارضة التي دخلت تحت عباءة خاتمي آنذاك لكنه ليس مطلوبا في هذه المرحلة. أما الرجل الآخر الذي تم استبعاده فهو علي لاريجاني وهو قادر حقيقة على منافسة رئيسي بشكل قوي وواضح. والغريب أن فكرة استبعاد مرشحين كانت من قبل قرارات مجلس صيانة الدستور دائماً ما تُشفع بأسبابٍ من قبيل عدم الولاء لمبادئ الثورة أو عدم مواءمة عمر المرشَّح لمهام المنصب أو تجرؤ المرشَّح على أُسُس ومبادئ الثورة، وهو ما استُخدم من قبل في استبعاد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد والرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني من الانتخابات الرئاسية. في هذه المرة لم يشفع مجلس صيانة الدستور قرارهُ بمسبِّباتٍ لرفض صلاحية المرشَّحين، وهو ما يُعدُّ سابقةً في تاريخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية وخاصة لرجل مثل لاريجاني الذي لم يجدوا سببا لاستبعاده إلا لأن المرحلة تتطلب وجود رئيسي فقط.
قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إنه أرسل رسالة للمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي يطلب منه التدخل، بعد قرار مجلس صيانة الدستور باستبعاد عدد من الشخصيات البارزة من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية. وقال روحاني إن قرار مجلس صيانة الدستور بشأن مرشحي الرئاسة "لن يؤدي إلى انتخابات تنافسية"، وأضاف أن شرعية النظام في إيران "مرهونة بالمشاركة الشعبية" في الانتخابات القادمة المقررة في 18 حزيران/يونيو المقبل. وقد طالب علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني ورئيس البرلمان السابق مجلس صيانة الدستور بتفسير منعه من خوض الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الجمعة القادم ولكن لم توضح أسباب منعه من دخول الانتخابات وهذا ما جعلنا نميل إلى فكرة هندسة الانتخابات على مقياس مطلوب لمرحلة معينة دون غيره وهو الرجل المدلل لخامنئي.
إذا ثبت التحليل أعلاه فما هي المرحلة القادمة والتي تتطلب من إيران شخصية معينة قادرة على ترجمة القرارات السياسية الجريئة وتحظى بدعم من المؤسسة العسكرية بالذات أي الحرس الثوري؟
إن ما يميز هذه المرحلة الحالية أمور يجب لفت الانتباه لها وهي:
أولا: مرحلة توقيع الاتفاق النووي مع أمريكا واستحقاقات هذه المرحلة من رفع للعقوبات الأمريكية وإعطاء الحصة الكبرى للشركات الأمريكية في عملية الاستثمار وإنهاء حالة العداء مع أمريكا وحلفائها وترتيب الأدوار في المنطقة بشكل يؤدي إلى خدمة المشاريع الأمريكية بدون عداوة الأدوات واختلافاتها في كل من العراق ولبنان والشام واليمن، وإعطاء إيران دورا محددا في مناطق معينة وإدماجها في المنطقة بدون العقلية القديمة. وسبق مرحلة استبعاد بعض المرشحين أمام رئيسي قتل بعض الشخصيات القوية التي كانت تتحكم بالقرار الخارجي والسياسة الخارجية أمثال سليماني باعتراف وزير الخارجية جواد ظريف عن دور سليماني وبعض القادة العسكريين ومن تصريحاته قال ظريف إن "الميدان العسكري في الجمهورية الإٍسلامية هو الذي يحكم، لقد ضحيت بالدبلوماسية من أجل الميدان العسكري، بدل أن يخدم الميدان الدبلوماسية". وقال ظريف إنه تلقى اتصالا من وزير الخارجية الأمريكي يستغرب فيه زيادة عدد رحلات شركة "هما" الإيرانية 6 مرات، وذلك بعد رفع العقوبات الأمريكية عنها بمقتضى الاتفاق النووي.
وأوضح ظريف أنه ووزير النقل الإيراني لم يكونا على علم بتنامي نشاط الشركة في سوريا، وعندما استفسرا قيل لهما إن ذلك تم بضغط من قاسم سليماني. ووجود بعض الشخصيات التي دفعت للميدان الخارجي بدوافع عقدية مذهبية هو مشكلة حقيقية للمرحلة الجديدة فكانت قرارات الاغتيال المادي والقانوني لأي شخصية عدا شخصية مقربة من صاحب القرار الحقيقي ويعلم طبيعة المرحلة وما هو مطلوب منه ومقبولة من الحرس الثوري حيث تربطه بقيادة الحرس الثوري علاقات قوية، وينظر إليه على أنه المرشح المفضل للتيار المتشدد. قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، تعليقا على نتائج الانتخابات، إنها تعكس دعما لمؤسسة الجمهورية الإسلامية.
وهناك أمر آخر وهو تغييب الموت لخامنئي في أي لحظة، وكان في تخطيط سابق للولايات المتحدة إنهاء دور الوصي في إيران وحصر القرار بمؤسسة رئاسية خاصة إذا علمنا بمرض خامنئي وعدم تحديد خليفة له مع احتمال كون خامنئي آخر وصي وربط الأمور بشخصية قوية قادرة على ضبط الأمور أو على الأقل ألا تخرج الأمور عن السيطرة حال وقوع القضاء على خامنئي في المرحلة القادمة.
رأيك في الموضوع