تأتي زيارة الوفد العماني إلى صنعاء، ضمن سلسلة من التحركات الدبلوماسية يقوم بها طرفا الصراع الإنجلو-أمريكي في اليمن، كل على حسب مصلحته ورؤيته للحل المناسب له.
والملاحظ لدى المتابع للأحداث والتحركات السياسية للطرفين المتصارعين أنهما يسعيان في الظاهر لإيقاف الحرب وتحريك محادثات السلام والتسوية السياسية في اليمن والتي ما زالت متعثرة إلى الآن لكن من تحت الطاولة كل له أجندته، صحيح أنهما متفقان في إلقاء التصريحات والبيانات لوقف إطلاق النار، ولكنهما مختلفان في الدوافع وتحقيق الأهداف والمصالح.
- فبريطانيا تسعى بشتى الوسائل والأساليب الممكنة للدفاع عن مدينة مأرب النفطية، وذلك إما عن طريق التحركات الدبلوماسية واستخدام الدول الأوروبية، وإما بمسايرة أمريكا كعادتها في كلا الاتجاهين، ومن ذلك:
أولاً: استخدام الاتحاد الأوروبي معها وخصوصا أن في محافظة مأرب وما حولها كشبوة شركات نفطية نمساوية (omv) وشركة توتال الفرنسية العملاقة في بلحاف، وذلك من أجل التشويش على أمريكا. وهذا ما كان فقد تزامنت تحركات دبلوماسية أوروبية مع اشتداد الهجوم الحوثي على مأرب مطلع شباط/فبراير الماضي، وذلك تحت مسمى وقف إطلاق النار وتحريك ملف محادثات السلام والتسوية السياسية المتعثرة في اليمن، فقد قام وفد أوروبي ضَمَّ سفراء كُلٍّ من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وهولندا والسويد لدى اليمن بزيارة لكلٍّ من عدن وصنعاء، حيث التقى بمسؤولي حكومة هادي، وعدد من كبار قادة الحوثيين، (مركز الإمارات للسياسات 04/02/2021م).
ثانياً: في أواخر الشهر الماضي قام وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جيمس كليفرلي بلقاءات كان أهمها لقاءه بوزير خارجية اليمن، فقد ذكرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ"، أن وزير الخارجية اليمني أحمد عوض ناقش في العاصمة السعودية الرياض، مع وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جيمس كليفرلي، التطورات السياسية في اليمن والتعاون بين الحكومتين لإحلال السلام واستعادة الأمن والاستقرار ووقف إطلاق النار تمهيدا لإحلال سلام شامل ودائم في اليمن (23/05/2021م).
ثالثاً: زيارة وزير خارجية حكومة هادي أحمد عوض بن مبارك لسلطنة عمان لبحث جهود إنهاء الحرب. وأفادت وزارة الخارجية في بيان، أن الزيارة "تهدف إلى تنسيق الجهود المشتركة إزاء قضايا المنطقة والدفع بالعملية السياسية وخاصة بعد رفض الحوثيين لكافة مبادرات السلام الإقليمية والأممية".
رابعاً: دور العملاء في الدفاع عن مصالحها ومسايرتهم لأمريكا وقد تجلى هذا الدور بزيارة الوفد العماني إلى صنعاء ولقائه بعدد من قيادات الحوثيين، وقد تزامنت هذه الزيارة مع زيارة لوزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك إلى مسقط، وفي السياق نفسه أرسل أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح رسالة إلى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لتحريك عجلة الحل، وهكذا يتواصل الحراك الدبلوماسي.
وكما يبدو من خلال هذه الأعمال والتحركات التي تقوم بها بريطانيا عن طريق الأصدقاء والعملاء والأتباع، فإنها تسعى من خلالها لوقف إطلاق النار وحماية مدينة مأرب النفطية من سيطرة الحوثيين عليها وحفاظاً على مصالحها إذ تُعد مأرب المنطقة الحيوية لديها في اليمن. إلا أن أمريكا تفشلها عن طريق الأتباع والعملاء أيضاً.
- أما عن أمريكا فإن التحركات الدبلوماسية التي يقوم بها مندوبها إلى اليمن ليست جادة في إيقاف إطلاق النار حتى وإن ادعت أنها تسعى لإيقافه، حيث قال السفير الأمريكي السابق باتريك ثيروس في تصريحات صحفية إن "المعركة في محافظة مأرب ستكون هي الفاصلة والحاسمة باتجاه الصراع في اليمن" (عدن الغد 30/05/2021م). وكما يبدو فإن المعركة في مأرب هي الفاصلة لأمريكا والأتباع والعملاء ولذلك لم يكن هدف أمريكا إيقاف إطلاق النار ولا الدخول في مفاوضات سياسية حالياً، ولا دعم ما تسمى بشرعية هادي، ولكن أرادت المماطلة حتى تتم سيطرة الحوثيين على مأرب، ويظهرون كقوة فاعلة في اليمن. ولا أدل على ذلك من إفشال المحاولة الأخيرة للوفد العماني في صنعاء، حصول انفجارات قوية - أنكر التحالف أنه وراءها - في مقر معسكر "الفرقة الأولى مُدرّع" بالعاصمة صنعاء، حيث تصاعدت أعمدة الدخان من المكان عقب الانفجارات، بينما شوهدت سيارات إسعاف وعربة إطفاء تتوجه إلى مكان الانفجارات، والهدف منها إفشال المحاولة التي جاء من أجلها الوفد العماني وأيضاً إظهار جماعة الحوثي أمام الوفد العماني أنهم معتدى عليهم وأنهم أهل حق.
والملاحظ للتحركات الدبلوماسية والسياسية في الآونة الأخيرة لطرفي الصراع الإنجلو-أمريكي في اليمن يرى أنها ليست لإيقاف إطلاق النار فعلا، ولكن بعدما خافت بريطانيا على مصالحها في مأرب فسارعت لإنقاذها بعد تحريك بعض الدول الأوروبية التي لديها شركات نفطية في مأرب وكذلك تحريك سفيرها لدى اليمن ووزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأخيرا سلطنة عمان التابعة لها، ولم تكن لهذه التحركات نتيجة تذكر وذلك لضعف موقف بريطانيا الدولي أمام أمريكا، بينما أمريكا لو كانت جادة في وقف إطلاق النار كما تزعم لفرضت هذا كما عملت لإنقاذ الحوثيين في اتفاق ستوكهولم 2018م في الحديدة وذلك عندما تقدم عملاء بريطانيا في الحديدة والتي تمثل شريان حياة للحوثيين، فضغطت أمريكا عبر مملكة آل سعود على هادي للموافقة على مؤتمر السويد وإقرار ما صدر عنه، ولكنها حالياً تريد الحوثيين يسيطرون على مدينة مأرب وبعدها ستكون المفاوضات وكف الحوثيين قوية.
لذلك فالمتوقع استمرار الصراع الإنجلو-أمريكي في اليمن بأدواتهما المحلية والإقليمية، ما دام النظام الرأسمالي العالمي وما دامت نظرته المصلحية النفعية هي السائدة في المجتمع، وهذا ما نلحظه من سير المعارك والتحركات في المنطقة فمدينة مأرب أصبحت مصيرية لكلا الطرفين؛ لعملاء بريطانيا المتمثلين بما يسمى الشرعية، ولعملاء أمريكا مليشيا إيران في اليمن، فإذا كانت هذه المدينة والسيطرة عليها معركة مصيرية، فإن حسم المعركة لأحد الطرفين ليس بالأمر السهل الهين لأن الجميع مستميت عليها.
يا أهلنا في اليمن: للعام السابع على التوالي وطرفا الصراع الإنجلو-أمريكي المحليون والإقليميون يعدونكم ويعدونكم ثم بعد تلك الوعود ما تجدون إلا الأزمات في كل جوانب الحياة.
يا أهلنا في اليمن: ﴿أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ إن الله تعالى وعدنا بالنصر والتمكين والاستخلاف في الأرض وذلك بأن ننصره بتطبيق شرعه سبحانه في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهي الحل الوحيد والسبيل الرشيد للخروج من ظلمات الرأسمالية القذرة التي أورثتكم الشقاق والنفاق. فإلى العمل مع حزب التحرير ندعوكم فهل من مجيب؟؟
رأيك في الموضوع