إن أي إنسان عندما يقوم بعمل ما يكون هناك شيء يدفعه لهذا العمل، وبالتالي تكون له غاية يريد تحقيقها من هذا العمل، وهكذاالجماعات والمنظمات والدول. فما هو الدافع لعمل هذه المنظمات التي انتشرت بشكل لافت للنظر في اليمن وخصوصا بعد انقلاب الحوثيين على ما تسمى بشرعية هادي وحكومته؟ وما هو الهدف الذي تريد أن تحققه؟ وهل حققته فعلاً؟
للإجابة على هذه التساؤلات لا بد من معرفة التالي:
أولاً: إن منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتفرعة عنها وصولاً لمعظم منظمات المجتمع المدني إنما هي أداة مسخرة بيد الدولة الأولى والمهيمنة على النظام العالمي وهي حالياً أمريكا، أو بالمعنى الأصح إن أمريكا أكثر دولة لها تأثير على هذه المنظمات؛ حيث تسعى أمريكا من خلالها لتنفيذ خططها وحماية عملائها من أجل الهيمنة وامتصاص ثروات الشعوب والدول عبر هذه الأدوات القذرة.
ثانياً: اليمن على سبيل المثال، فبعد انقلاب الحوثيين على ما يسمى بهادي وحكومته عملاء الإنجليز، توسع الحوثيون في البلاد ولم يكن لهم أي مصدر تمويل يمولهم، بل وفرض عليهم حصار بصفتهم انقلابيين على (الشرعية)، فلم يكن لهم موارد، ولا البنك وصندوق النقد الدوليان يستطيعانتمويلهم بشكل مباشر آنذاك.
والسؤال الذي يطرح نفسه من الذي مَوَّلهم بالمال والغذاء؟ وإذا لم يمولهم أحد هل كانوا سيستطيعون أن يصمدوا أو يصلوا إلى ما وصلوا إليه حاليا؟!
فلولا الدعم المقدم من هذه المنظمات باسم الدعم الإنساني لما استطاع الحوثيون الصمود، فقد لاحظنا بعد انقلابالحوثيين بدعم وسند من أمريكا ومبعوثي الأمم المتحدة على عملاء الإنجليز، أنه فُتِحَ الباب على مصراعيه لدخول المنظمات بكافة أشكالها إلى اليمن، فمَوَّلوا الحوثيين في مناطق سيطرتهم بحجة أنه عمل إنساني، وأنهم تحت الحصار، بل ومناداة المانحين الدوليين أن يتبرعوا لأهل اليمن فكان ذلك.
هذا وقد أشار (تقرير وكالة الأسوشيتد برس الأمريكية، إلى رفض الحوثيين قيام الأمم المتحدة بالرقابة على حوالي 370 مليون دولار والتي تقدمها المنظمات في السنة للمؤسسات الحكومية الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ولفت التقرير إلى المخاوف بين وكالات الإغاثة حول استيلاء الحوثيين على الأموال والإمدادات الإنسانية، وتوجيهها لمؤيديهم أو استغلالها في جهودهم العسكرية. وذكرت الوكالة، أن طاووس وهو قيادي حوثي يرأس المجلس الأعلى المتحكم بالمساعدات). (مأرب برس 20/02/2020م).
والحقيقة هي أن هذا العمل هو عمل سياسي وراءه أمريكا مستخدمة شتى الوسائل والأساليب تسعى لتوسيع نفوذها في اليمن على حساب أتباع الإنجليز. وما هذه المنظمات إلا إحدى تلك الوسائل، وقد رأينا ذلك رأي العين عندما اشتعلت معارك الحديدة يومي 8 و9/6/2018م. فلما توجهت الإمارات عميلة بريطانيا إلى الحديدة للسيطرة عليها وقطع الإمدادات التي تصل للحوثيين من إيران عبر ميناء الحديدة، فكانت التوجهات والمعارك حول الحديدة تُواجَه برفض أمريكي كبير تحت عناوين إنسانية، وأن ميناء الحديدة يمد اليمن بالمساعدات لملايين اليمنيين.
وبعد أن أصبح الحوثي شبه مسيطر على شمال اليمن، ظل أمامه عقبة كبيرة وهي الدولة العميقة الوسط السياسي القديم رجال الإنجليز من حزب المؤتمر وغيره لم يأمن الحوثي مكرهم، فاتخذ أسلوباً ليعرف من معه ومن ضده، وركز فيه على الوسط السياسي القديم فدعاهم للالتحاق بالدورات التثقيفية، ومن لم يجبهكان مصيره إما السجن وإما القتل.
ومن جانب آخر قامت إحدى هذه المنظمات في المناطق المسيطر عليها الحوثي وبالذات في مديريتي ماوية والتعزية في محافظة تعز، بإجراء انتخابات على مستوى القرى، حيث يتم اختيار ستة أفراد ثلاثة ذكور وثلاث إناث لكل من 300-500 نسمة، ويقوم هؤلاء الأفراد بإجراء عملية الإحصاء للسكان وتنفيذ تسعة مشاريع صغيرة، وحقيقة ما يجري هو إيجاد وسط سياسي جديد موالٍ للحوثي يلتف الناس حولهم، وأيضاً لها جانب آخر وهو الترقيع لأنظمة المبدأ الرأسمالي المتهالك وتطويل عمره، وتخدير الناس عن التطلع للتغيير الصحيح الذي خرجت الشعوب في 2011م تنشده وتطالب به.
من هنا يتضح عمل هذه المنظمات بأنه عمل سياسي قذر يسعى لتثبيت وترسيخ نفوذ الكافر المستعمر وخاصة أمريكا في بلاد المسلمين لنهب ثرواتها ومقدراتها والحفاظ على عملائها.
صحيح أن الوضع في بلاد المسلمين مؤلم في شتى مناحي الحياة، ولكن العلاج ليس عبر هذه المنظمات أو الأنظمة العميلة، التي هي سبب البلاء وأس الداء، بل إن العلاج الناجع لكل مشاكل الإنسان يكمن حصرا في منهج الله العزيز الحكيم الذي خلق فسوى وقدر فهدى، القائل سبحانه: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ﴾. ومنهج الله يحتاج إلى عمل الرجال الرجال مع حزب التحرير لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ففيها عز الدنيا ونعيم الآخرة. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
بقلم: الأستاذ سليمان المهاجري – اليمن
رأيك في الموضوع