اجتمع الرئيس التركي أردوغان يوم 9/3/2020 مع الأوروبيين في بروكسل، فأعلنت مفوضيتهم تمسكها باتفاقية اللاجئين التي عقدتها مع تركيا عام 2016. فقالت رئيسة المفوضية دير لاين: "الاتفاقية ما زالت سارية، والآن سنقوم بتحليل الأجزاء التي لم يتم تنفيذها وسبب ذلك" وتعهدت "بإعادة إطلاق الحوار مع تركيا، ولن ينتهي هذا المساء، يجب أن تتبعه مناقشات أخرى في الأيام والأسابيع المقبلة" وستقدم اقتراحات جديدة في الشهر القادم.
وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال: "الخلافات في الرأي المتعلقة بتنفيذ الاتفاقية سيقوم بتوضيحها جوزيف بوريل منسق الخارجية بالاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية التركي مع فريق من الخبراء خلال الأيام القادمة، للتأكد من أننا على وفاق وأننا لدينا نفس التفسير حول ما نقوم به في تركيا وعلى مستوى الاتحاد من أجل تنفيذ الصفقة" وامتدح هذان المسؤولان المباحثات مع أردوغان ووصفاها "بالبناءة دون ذكر النتائج الملموسة لها".
تدل هذه التصريحات على أن أوروبا متمسكة باتفاقية اللاجئين مع تركيا ومستعدة لتنفيذ ما لم ينفذ منها ومستعدة لعرض اقتراحات حتى تعالج مشكلة تدفق اللاجئين عليها الذي يسبب لها ضررا سياسيا داخليا. إذ إن هذه المسألة يستغلها اليمين المتطرف لتعزيز مواقعه وزيادة أصواته. فقد استغلها اليمين المتطرف بعد عام 2016 مما عزز حظوظه في الانتخابات على حساب اليمين واليسار المعتدلين.
وقال أردوغان: "نريد الارتقاء بالعلاقات بين أوروبا وتركيا إلى مستوى جديد أكثر صلابة". وقال في مؤتمر صحفي مشترك في بروكسل مع سكرتير الناتو ستولتنبرغ: "يشهد الناتو مرحلة دقيقة عليه أن يظهر فيها بوضوح تضامنه كحلف (مع تركيا)، ويجب أن يتجلى الحلف من دون تمييز ومن دون شروط سياسية. ومن الأهمية بمكان أن يتم تقديم الدعم الذي نطلبه بدون مزيد من التأخير".
فهذا يعني أن أردوغان أراد الضغط على أوروبا لتدعمه في عمليته الأمريكية بسوريا لكون تركيا عضوا في الناتو فيجب على أعضائه أن يقفوا معه، وبذلك يعزز دور الناتو المفروض أمريكيا على أوروبا التي تعمل على التخلص منه، وتعمل على بناء جيش خاص بها كما ذكر الرئيس الفرنسي ماكرون يوم 11/11/2018 أن أوروبا تريد تأسيس جيش خاص بها لتحمي نفسها من أمريكا وروسيا والصين، وقامت المستشارة الألمانية ميركل وأيدت دعوته، وفي 22/1/2019 وقع ماكرون وميركل معاهدة ثنائية تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري بين بلديهما يساهم في إنشاء جيش أوروبي والتنسيق في السياسات الخارجية بينهما. وأبدت دول أوروبية عديدة تأييدها ومنها بريطانيا التي تعمل على استغلال أوروبا للوقوف في وجه تلك القوى الثلاث.
ويظهر أن أردوغان لم يحقق المطلوب حيث لم يتم الإعلان عن أي اتفاق جديد بعد اجتماعه مع الأوروبيين، فلم ينجح بابتزاز أوروبا حتى الآن. ولم يفتح الباب لمزيد من تدفق اللاجئين حيث إنهم سيصبحون عالقين على الحدود، وستسبب له إشكالية ويظهر استغلاله لهم في محاولته لابتزاز أوروبا التي وحدت آراءها في موضوع اللاجئين وإدراكها لمغزى تركيا.
ويؤكد ذلك تقرير لوكالة فرانس24 من أن زعماء الاتحاد الأوروبي حذروا بصرامة أردوغان من عدم احترام شروط الاتفاق المبرم، وأنه بدا غاضبا ومنزعجا من موقف دير لاين وميشال، وقد هاجم اليونان وتأييد الاتحاد لها وتخصيصه 700 مليون يورو لتأمين حدودها في وجه اللاجئين، ولذلك لم تفتح الطريق لهم نحو أوروبا.
ودعا أردوغان ماكرون وميركل إلى تركيا لعقد اجتماع ثلاثي يوم 17/3/2020، وقد أعلن عن تحوله لاجتماع عبر حلقة تلفزيونية بسبب فيروس كورونا. مما يؤكد أن أردوغان لم ينجح بعد في ابتزازه ويواصل عمله ليتصل مع قائدي الاتحاد الأوروبي. واقترحت ألمانيا قبول 1500 من أطفال اللاجئين وأعربت فرنسا وغيرها استعدادها لاستقبالهم، ولم يستعدوا لاستقبال الآخرين.
وأمريكا تريد من أوروبا أن تدعم تركيا بحجة أنها عضو بالناتو حسب المادة الخامسة، فتريد بهذه الحجة تفعيل دور الناتو لإبقاء هيمنتها على أوروبا، وتريد أن تضع أوروبا في مواجهة روسيا لتضغط على الأخيرة لتبقى ملتزمة بتنفيذ السياسة الأمريكية في سوريا، وهذا ما لا تريده أوروبا أي أن توتر علاقاتها مع روسيا وأن تستغلها أمريكا كما استغلت روسيا، وهي لا تستطيع استخدام الحلف لمصلحتها، لأن أمريكا هي المسيطرة عليه وتسيره كيفما تشاء. فأمريكا تريد استغلال أوروبا في ظل الناتو، ولهذا تتهرب أوروبا من دعم تركيا التي تسير في فلك أمريكا.
وعندما قتل العشرات من الجنود الأتراك في سوريا نهاية الشهر الماضي أعلن الناتو تضامنه مع تركيا، ولكن أوروبا لم تتعهد بتقديم أي دعم ملموس للقوات التركية فلم تقبل بتفعيل المادة الخامسة للحلف.
ومع ذلك فإن أوروبا لا تريد أن توصد الأبواب في وجه تركيا وهي محتاجة لها وتريد أن تراضيها بشيء ما، ولذلك أعلن البرلمان الأوروبي يوم 14/3/2020 أن "العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي روجعت على خلفية مسائل تتعلق بحقوق الإنسان والتطورات في سوريا... وأن التطورات تقدم العديد من الأسباب لأعضاء البرلمان لإعادة النظر في العلاقات بين تركيا والاتحاد، وأن لتركيا علاقات مثمرة لعشرات السنين مع الاتحاد على صعيد الناتو وعلى صعيد العلاقات التجارية بين الطرفين، وأنه عقب اتفاق الهجرة بينهما انخفض عدد المهاجرين القادمين إلى أوروبا بشكل كبير".
من هنا فإن أوروبا مضطرة أن تقدم شيئا يرضي تركيا مما تطالب فيه، فتقدم ذلك ولكن تماطل في تنفيذه سنوات كما فعلت باتفاق عام 2016، فلم تف بأداء المبلغ كاملا وبقي نحو نصفه. وهكذا عادة دول الكفر توقع اتفاقا عندما تكون مضطرة لتوقيعه حتى تكسب الوقت وتعزز موقفها وتبقى تماطل في تنفيذ الاتفاق حتى إذا تمكنت من التملص منه فعلت أو تنفذ أجزاء وتماطل في أجزاء منه، وإذا أصبحت ظاهرة وفي موقع قوي لا ترقب في أحد إلا ولا ذمة.
وتركيا العلمانية سابقا وحاليا بقيادة أردوغان مصرة على التحالف المحرم مع دول الكفر والتلاعب بمصالح المسلمين لصالح الكافرين ومنها التلاعب باللاجئين المسلمين، ولن يردعها عن ذلك ويجلبها إلى جادة الصواب إلا شعبها المسلم الذي بدأ الوعي السياسي من زاوية الإسلام يدب فيه بفضل الله ورحمته بأن أنعم عليه وعلى المسلمين كافة وجود حزب واع سياسيا وفكريا بقيادته المخلصة يدعوهم لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ويبصرهم الطريق ويوعيهم على الأحداث.
رأيك في الموضوع