يبدو أنّ تركيا تسعى إلى إشعال الأزمة اليمنية أكثر، عبر الدفع بحليفها حزب الإصلاح "الإخواني" ليثير المشاكل في اليمن، فمؤخراً قامت الناشطة توكل كرمان القيادية الإخوانية والحاصلة على الجنسية التركية، بالدعوة إلى تشكيل قيادة عسكرية موحدة تقف ضد التحالف العربي، فقد استضافت إسطنبول مؤتمراً بعنوان "يمن ما بعد الحرب.. رؤية استشرافية"، وفَّرت له قطر تمويلاً كبيراً، عبر مؤسسة توكل كرمان، وفق تقارير صحفية؛ حيث دعت كرمان في كلمتها الافتتاحية، بحضور قيادات إخوانية من مختلف الدول العربية، إلى القيام بثورة جديدة ضد ما وصفته "ارتهان الشرعية للوصاية الخارجية"، وهاجمت القيادية الإخوانية، المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة وقوات طارق عفاش، واتهمت الجميع بالارتهان لقيادة التحالف العربي، متجاهلة الحديث عن الحوثيين. كما صرحت المدير التنفيذي لمؤسسة توكل كرمان مسك الجنيد، أن المؤتمر سيناقش في ثلاث جلسات عمل؛ السيناريوهات المحتملة لنهاية الحرب وشكل الدولة ونظام الحكم في ضوء النهاية المتخيلة للصراع القائم، ومستقبل النفوذ الإقليمي والدولي في يمن ما بعد الحرب، وأولويات ما بعد الحرب (العدالة الانتقالية كمدخل لإنهاء الصراع وإعادة الإعمار بين المسؤولية السياسية والقانونية).
إنّ هذا التحول الإخواني ضد ما يسمى بالتحالف العربي سببه رغبة أمريكا في الوجود العسكري باليمن للسيطرة على باب المندب بشقَّيه عن طريق تركيا أردوغان، مستغلةً ضعف بريطانيا والتهاءها بترتيب وضعها الداخلي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي؛ خصوصاً أنّ وجود تركيا العسكري في الصومال سيسهِّل عليها تلك المهمة، حيث إنه من المتوقع أن تقوم بعض قيادات حزب الإصلاح (الجناح الأمريكي داخل الحزب) بمطالبة تركيا بالتدخل في اليمن؛ في سيناريو يشبه السيناريو الليبي، وما التضييق على حزب الإصلاح في كل من الجوف ومأرب، إلا نوع من الضغوطات لطلب التدخل التركي لعدم جدوى وجدية التحالف العربي في دعم ما تسمى بالشرعية، فحسب موقع أحوال تركية فإنّ توجيهات صدرت لعدد من القيادات السياسية اليمنية المحسوبة على جماعة الإخوان لإشهار ورقة التقارب مع الحوثيين، بهدف ابتزاز التحالف العربي.
وما توجيه ضربات جوية تقوم بها الطائرات السعودية على قوات ما تسمى بالشرعية، وإيقاف تقدم قوات هادي على ميناء ومدينة الحديدة، واستكمال تحرير ما تبقى من محافظة تعز، إلا دليل على مضي أمريكا في إخلاء الساحة في المحافظات الشمالية للحوثيين.
وبعد فشل القوات البرية السعودية الموجودة في المحافظات الجنوبية، والتي كانت تهدف إلى دعم حراك حسن باعوم المدعوم أمريكياً، فمن الممكن إعطاء الدور لتركيا في مواجهة المجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية بدعوة من حزب الإصلاح (الجناح الأمريكي)، والعمل على احتواء الجناح البريطاني للحزب ذاته بعد أن يجد نفسه بين فكي كماشة الحوثيين من جانب، والقوات التركية من جانب آخر، ما قد يجعلهم مضطرين بل مجبرين على اختيار أهون الشرين كما يقولون.
إن مؤشرات التدخل التركي في اليمن لصالح جماعة الإخوان تعود إلى فترة مبكرة، حيث اتهم سياسيون يمنيون أنقرة بتهريب كميات كبيرة من السلاح ومسدسات كاتمة للصوت في عام 2011م يُعتقد أنها استخدمت على نطاق واسع في اغتيال شخصيات سياسية وأمنية، كما رصدت جريدة "العرب" اللندنية في تقارير سابقة مؤشرات تزايد النشاط التركي في اليمن من خلال تدفق عملاء الاستخبارات التركية، عبر منافذ محافظة المهرة (أقصى شرق اليمن) تحت غطاء هيئة الإغاثة الإنسانية، إلى بعض المحافظات اليمنية المحررة، وتأجيج الخطاب السياسي والإعلامي المعادي للتحالف العربي بقيادة السعودية من خلال قنوات إعلامية تبث من مدينة إسطنبول التركية، مما يؤكد الخطة الأمريكية المتمثلة في تبادل الأدوار لأتباع أمريكا في اليمن، كما كشفت الجريدة ذاتها عن استقبال أنقرة لقيادات حوثية في أعقاب التقارب مع طهران، وسمحت السلطات التركية لأول مرة قبل عام تقريبا بتنظيم مظاهرات مؤيدة للحوثيين في عدد من المدن التركية، في مؤشر على التحول الهائل في مواقف أنقرة التي كانت تعلن رسميا عن دعمها للحكومة اليمنية. كما أثارت زيارة قام بها وزير النقل اليمني صالح الجبواني لتركيا وإعلانه عن توقيع اتفاق ثنائي مع ممثلين عن الحكومة التركية لإدارة الموانئ والمطارات اليمنية موجة من ردود الفعل الغاضبة دفعت الحكومة اليمنية إلى التنصل من الاتفاق الذي قالت إنه لا يعبر عن وجهة نظر الحكومة ولا يمثلها.
لقد شهد العام 2020م من بدايته تغيراً مفاجئاً في الخريطة العسكرية للحرب في اليمن، فالحوثيون شنوا هجوماً على مديرية نهم شرق العاصمة صنعاء، التي توصف بأهم جبهة في الحرب، ثم بدأوا بالتقدم عسكرياً نحو مأرب والجوف، في غياب واضح للدعم الجوي، لتجبر قوات هادي بعدها على الانسحاب تاركة آلياتها العسكرية غنيمةً سهلةً للحوثيين، مما يظهر جلياً أن النفوذ الأمريكي في ازدياد، يقابله الانكماش في النفوذ البريطاني.
إن المحزن والمؤلم أن حكام المسلمين خانعون عملاء للغرب الكافر والجيوش تنفذ ما يملى عليهم من هؤلاء الحكام الخونة، وتركيا أردوغان مثلها مثل حكام إيران وحكام نجد والحجاز وسيسي مصر ينفذون خطط أمريكا.
ونحن هنا نذكر أهلنا في تركيا بأنه شتان بين دولة آل عثمان، دولة الخلافة التي هدمها الغرب الكافر في مثل هذه الأيام في 28 رجب 1342هـ، والتي حضر جيشها إلى اليمن بطلب من أهل اليمن للدفاع عنهم وعن مقدسات المسلمين ضد الغزو البرتغالي، وبين تركيا أردوغان اليوم الذي يخدم الأمريكان في كلٍ من بلاد الشام وليبيا. فشتان بين آل عثمان وأردوغان!
إن الأحداث الأخيرة في اليمن تنبئ بطول الصراع بين أهل البلد الواحد استغلالاً لعدم وعيهم على دينهم الذي يحرّم عليهم القتال فيما بينهم، واستقواءً على بعضهم بقواتٍ تأتمر بأمر أعدائهم عبر حكامهم العملاء الذين لا يهمهم إلا بقاؤهم على كراسي الحكم المعوجة قوائمها خدمة لأسيادهم أعداء الأمة الذين يحافظون على بقائهم، ولن تمتلك الأمة قرارها السياسي إلا بعد أن تعي على دينها الذي يأمرها بالوحدة والتآخي وقتال عدوها وتحرير مقدساتها، ولن يكون ذلك إلا تحت ظلال دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي يعمل لها حزب التحرير، لذلك وجب على الأمة العمل مع الحزب لإقامتها.
بقلم: الأستاذ: عبد الله القاضي – اليمن
رأيك في الموضوع