إنّ الحديث عن دور الإعلام وأهميته في صناعة الرأي العام والتأثير عليه وتوجيهه بات أمراً واضحاً وجلياً، فقد لمس الجميع ذلك بشكلٍ قاطع لا مجال فيه للشك؛ وذلك مع الانتشار الواسع للإعلام الإلكتروني سواء الشبكة العنكبوتية أو المحطات الفضائية أو الصحف والمجلات المقروءة.
فالإعلام الفاسد اليوم يلعب دورا كبيرا في تثبيط المسلمين عن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المفضي إلى التغيير الإيجابي وتطبيق شرع الله على عباده، ويحرضون عليهم، حتى ينفضّ الناس من حولهم من أجل بقاء الحال الفاسد والسيئ على ما هو عليه، وجند لذلك جيشا كبيراً من الإعلاميين الذين يعملون في وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية، ناهيك عن الترويج لباطل الحكام وخياناتهم وممانعتهم لشعوبهم في التحرك لنصرة إخوانهم المجاهدين على أرض فلسطين المباركة؛ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسولنا الكريم ﷺ. وفي مقابل ذلك الإعلام الفاسد الكاذب، لا بد أن يقابل بالإعلام الصادق الذي يقتضي نقل الحقائق مجردة، والتحلي بالمهنية الإعلامية خدمة لمصلحة الإسلام والمسلمين.
حتى ما تنقله المحطات الإعلامية في بلاد المسلمين عن غزة هذه الأيام من صورٍ للقتل والدمار والأشلاء والصراخ، وفي بث حيٍ ومباشر، تنشر تلك الصور الحزن والكآبة والخوف والذعر، وتبث اليأس في النفوس، وفي الوقت نفسه تعتيم إعلامي قوي ومدروس عن صور القتل والدم عند يهود. فالأصل فيمن ينقل تلك المشاهد لإثارة الناس وتعريفهم بتلك المجازر أن يقابله نشر التحريض ضد المجرمين، وإلا كان هدفه فقط تدمير النفسية وبث اليأس والرعب فقط. فيجب أن يركز الإعلام على تحريض الجيوش للتحرك لتحرير فلسطين والدعوة لخلع الحكام الحاليين وبيان خياناتهم مع الغرب ويهود، ويدعو للثورة عليهم؛ لأنهم يمنعون التحرك العسكري. كما أن على الإعلام أن يبين بأن تلك الحرب صليبية ضد الإسلام، وأن كل المنظمات الدولية تابعة للغرب وتعمل معه ضد الإسلام، وهذا يوجب توحد المسلمين للتصدي لذلك.
والملاحظة الواضحة أن الإعلام يركز على قوة المجاهدين وتكتيكاتهم وذكائهم فقط، والأصل أن يتم تركيز المحللين العسكريين على قدرات جيوش المسلمين بالقضاء على كيان يهود والغرب، لكننا نجد الإعلام يرفض ذلك رفضاً قاطعا. وهذا يعني أنهم يسيرون وفق خطة مرسومة، وهي حصر المعركة فقط بين أهل غزة وبين الاحتلال ومن يدعمه فقط، ويمنع الحديث عن غير ذلك! فلو فكر شخص أن يدعو لتلك الأمور على إعلامهم لقطعوا عليه الخط فوراً، لأن الهدف هو فقط بث صور القتل والدمار، أما التحريض للتخلص من كيان يهود وقلعه من جذوره فممنوعون منه أبداً!
إن المتابع لكل الإعلام الغربي والصهيوني يجد أنهم لا يبثون صور القتل والدماء والأشلاء من عندهم رغم أنهم يزعمون أن لديهم آلاف الصور لذلك، ولكنهم لا يبثونها، لأنهم يعرفون أنها تدمر نفسيات مقاتليهم وشعوبهم، وفي الوقت نفسه نجد أن إعلامهم لا يتوقف عن التحريض والدعوة لمحاربة الإسلام، بل ويدعون لقتل كل أهل غزة ويجيشون كل الإعلام لذلك. فإعلامنا في بثه فقط صور الدمار والقتل والأشلاء وعدم بثه التحريض للقضاء على الحكام وتحريك الجيوش للجهاد لقتال كل الكفار، يدمر النفسية بشكل خفي وينشر اليأس والإحباط والرعب، وأن من يتجرأ على الكفار فهذا مصيره. إذن فالإعلام يمارس حرباً نفسيةً خفية، والإعلام الغربي بل وإعلام الحكام العملاء في بلاد المسلمين، هو إعلام موجه لخدمة الغرب وأهدافه، ومحارب لعقيدة الأمة ومصالحها.
لقد أصبح الإعلام اليوم أكثر أهميةً من ذي قبل، وذلك يرجع إلى تعدد وسائله وأساليبه وانتشاره فقد جعل العالم كله كقرية صغيرة سواء لخدمة الأفراد أو الدول، ومن ثم أصبح الاعتماد على الإعلام بشكل أكبر في نقل الأحداث وتبادل المعلومات والمراسلات، وكلما تقدمت التقنية العلمية كان إنجاز الأعمال بشكل أسرع وأدق ووصول المعلومات للمتابعين لها بسهولة ويسر. هذا في الجانب الخدمي، كما أن للإعلام أهمية في الجانب الفكري والسياسي يتمثل في تكوين الرأي العام عند الناس؛ لذا يقتضي منا نحن المسلمين أن نعي على حقيقة الإعلام أو ما يسمى بالسلطة الرابعة ودورها في صناعة الخبر وصياغته، وتقديمه للناس بصورة تخدم مصالح المتحكمين في الإعلام.
لذلك يجب على الإعلام نقل صورة صادقة عن الحدث وإلا كان تضليلاً وكذباً. والتضليل الإعلامي هو بث الأفكار والمعلومات المضللة والخاطئة لرسم صورة مخالفة للواقع عند الناس. فالغرب لا يمل في صراعه مع الإسلام، وقد أبدع في استخدام الوسائل والأساليب التي تمكنه من حسم هذا الصراع لصالحه، فاستحدث أسلوباً جديداً لحرف اهتمام وتفكير الأمة لخدمة مصالحه وأنفق عليه المليارات، وكان الدور المنوط بهذا الإعلام هو إبعاد الأمة عن التفكير المنتج الذي يؤدي إلى التغيير الحقيقي، بالإضافة إلى تكوين رأي عام مشوه عن الإسلام ونظامه عند عامة الناس. فخطر التضليل إذا لم يُنتبه له، فإنه يحدث شرخاً بين الأمة ومبدئها، ويحول بين الشعوب الأخرى واهتدائها إلى دين الحق كما هو حاصل هذه الأيام. لذلك فالأصل الذي يجب أن يكون عليه الإعلام في دولة الإسلام هو أن يتولى وضع السياسة الإعلامية للدولة لخدمة مصلحة الإسلام والمسلمين، وتنفيذها؛ في الداخل لبناء مجتمع إسلامي قوي متماسك، ينفي خبثه وينصع طيبه، وفي الخارج لعرض الإسلام في السلم والحرب عرضاً يبين عظمة الإسلام وعدله وقوة جنده، ويبين فساد النظام الوضعي وظلمه وهزال جنده، وهذا ما سيكون عليه الحال عند قيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القادمة قريبا بإذن الله تعالى.
رأيك في الموضوع