أدى رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي وأعضاء المجلس اليمين الدستورية الثلاثاء في مدينة عدن، مقر الحكومة المؤقت، بحضور عدد من السفراء الأوروبيين والعرب وكذلك مبعوث الأمم المتحدة لليمن هانس غروندبرغ والمبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ، حيث إن رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي أقسموا بالله العظيم أن يكونوا متمسكين بكتاب الله، وأن يحافظوا على النظام الجمهوري... فكيف يمكن الجمع بين كتاب الله وأحكامه والنظام الجمهوري؟!
فالنظام الجمهوري هو نظام من أنظمة الحكم الديمقراطية، وهو النظام الذي يقوم على مبدأ حكم الشعب للشعب، وينقسم إلى نوعين هما: نيابي ورئاسي، يتم فيه تطبيق دستور من وضع البشر يراعي مصالح الناس فحسبْ دون أي اعتبار آخر مطلقاً، فما يراه الناس مصلحة لهم يشرّعونه دستوراً أو قانوناً يلتزمون به. كما وينتخب الرئيس فيه لمدة محددة، ولا يجوز في النظام الجمهوري أن ينتخب الرئيس مدة مطلقة غير محددة، ومبني على أساس الديمقراطية التي تقوم على مبدأ حق التشريع للشعب. ومثلما يجوز أن يقوم النظام الجمهوري في الدولة الموحدة، يجوز كذلك أن يقوم في الدولة الاتحادية اتحاداً فيدرالياً أو اتحاداً كونفيدرالياً. كما أن للنظام الجمهوري جهازاً تنفيذياً عبارة عن لجنة أو هيئة مكونة من عدة أشخاص يقومون بممارسة الحكم بصورة تضامنية.
أما في نظام الإسلام أو نظام الخلافة أو الإمامة، فالرئيس في دولة الإسلام لا ينتخب لمدة محددة بزمن محدد، فما دام محافظاً على الشرع منفذاً لأحكامه قادراً على القيام بشؤون الدولة ومسؤوليات الخلافة فإنه يبقى خليفة، ذلك أن نصّ البيعة الواردة في الأحاديث جاء مطلقاً ولم يقيد بمدة معينة، لما روى أنس بن مالك عن النبي ﷺ قوله: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». وأما التشريع فلا يصح للشعب في دولة الإسلام أن يقوم به، لأن المشرّع في الإسلام هو الله سبحانه وتعالى، والرسول ﷺ مبلغ لما يوحى إليه من ربه، وما سوى ذلك فلا يحق ولا يجوز لمسلم كائناً من كان أن يضع تشريعاً للأفراد أو للدولة، ومن يفعل ذلك يرتكب إثماً ربما يوصل صاحبه إلى الكفر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾. والخليفة في الدولة الإسلامية عمله تبني الأحكام الشرعية وجعلها هي وحدها دستور الدولة الواجب الالتزام.
لقد حرّم الإسلام على المسلمين أن يكونوا دولاً اتحادية أو دولاً مستقلة، وأوجب أن يكون المسلمون جميعاً في دولة واحدة موحّدة فحسب، ويحرم أن يكونوا غير ذلك، لما روى مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»، ولما رُوي عن عرفجة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ». فلئن اتسع النظام الجمهوري للاتحاد الفيدرالي أو الاتحاد الكونفيدرالي بين الدول فإن نظام الخلافة أو الإمامة لا يتسع إلا للوحدة بين المسلمين فحسب.
أما الجهاز التنفيذي التضامني في النظام الجمهوري فلا وجود له في نظام الإسلام، وإنما الموجود خليفة واحد يتولى الحكم بنفسه ومنفرداً، ويساعده في الحكم معاون أو أكثر بشكل فردي غير تضامني، بمعنى أن لكل معاون أن يفعل ما يشاء دون أن يرجع إلى المعاون الآخر، والمسؤولية على عمله واقعة على شخصه، ولا يحتاج المعاون لتنفيذ حكم من الأحكام إلى أخذ موافقة المعاون الآخر، ولا يرجع إليه في شيء، ولا يرجع في أحكامه إلا للخليفة، فحسب فالخلاف بين النظامين خلاف جذري أساسي.
إن الإسلام دين ونظام عالمي جاء لعلاج مصالح العباد بالحق والعدل، وهو دين ونظام نزل به الوحي، فهو دين ونظام متكامل تام لا يعتريه النقص ولا الضعف، فقد قال سبحانه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾، فلا نقص فيه حتى يُجبر بغيره من الأديان والأنظمة، لهذا وجب على المسلمين الاقتصار على نظام الإسلام وحده ونبذ ما سواه.
إن الأخذ من الكفار يعني أن أحكامنا وأفكارنا صارت مختلطة ملتبسة على الناس فتتوقف الدعوة إلى الإسلام، ولا يعود المسلمون قادرين على دعوة الكفار إلى دينهم وطراز عيشهم، وهذا ما يجب أن يتفطن إليه المسلمون، وهذه المعاني كلها مما اتفق عليها المسلمون جميعاً، ولم تكن هذه المعاني لتخفى على مسلم لولا هذه الهجمة الاستعمارية الفكرية التي أفقدت المسلمين توازنهم وهويتهم وجعلتهم يلتحقون بركب الحضارة الغربية الكافرة عن علم وعن جهل، فالحذرَ الحذرَ من اتباع سَنَنَ اليهود والنصارى فإنه المؤْذن بالاندثار، وإن الخلاص وحده هو العودة إلى التميّز، والاعتزاز بما رضيه الله لنا من نظم، ونبذ تقليد الكفار في أنظمتهم ونمط عيشهم وفساد أفكارهم.
إن القَسَم الذي أقسمه رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي ليدل إما على جهلهم بما يقسمون عليه، فلا يصلحون أن يكونوا حكاما علينا حيث إنهم لا يفرقون بين نظام الإسلام والنظام الجمهوري الديمقراطي، وإما أنهم يعون على ذلك ولكنهم مأمورون أن يُلبسوا على أهل اليمن عقيدتهم في خلطهم أحكام الإسلام بأحكام الكفر، وفي كلتا الحالتين يجب خلعهم وإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة لتشرق شمسها من جديد، وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع