قام الرئيس القرغيزي صدر جباروف بزيارة رسمية إلى الصين استمرت من 4 – 7 شباط/فبراير الجاري، بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينج.
أجرى جباروف مقابلة مع وكالة أنباء شينخوا الصينية، قبل زيارته، حيث تحدث عن العلاقات المتطورة بين البلدين. وأشار إلى أن التجارة مع الصين ستتجاوز 22 مليار دولار في عام 2024، وهو ما يزيد بنسبة 15% عن العام السابق، 91% من هذا يتوافق إلى الواردات و9% إلى الصادرات. إن بدء إنشاء خط السكك الحديدية بين الصين وقرغيزستان وأوزبيكستان يؤكد المستوى العالي من الثقة السياسية بين الدول. وبالإضافة إلى نقطتي التفتيش "توروغارت" و"إركشتوم" على الحدود القرغيزية الصينية، تم فتح نقطة تفتيش "بيديل"، ما يمهد الطريق لمزيد من تطوير العلاقات التجارية بين البلدين. وقد حولت الجمارك في قرغيزستان نظامَ تشغيل نقاط التفتيش إلى العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع اعتباراً من آذار/مارس 2024. وبالإضافة إلى ذلك، سيتم بناء الطريق "بارسكون - أوتشتورفون - أوكسو" في المستقبل القريب. وتلتزم قرغيزستان بشكل صارم بالمبادئ والقواعد المنصوص عليها في ميثاق منظمة شنغهاي للتعاون.
وقعت الحكومة القرغيزية مع الصين اتفاقيةً التعاون الاستراتيجي الشامل عام 2023:
سياسيا: ومنذ ذلك الحين، التقى رئيسا البلدين ثلاث مرات بصيغ مختلفة. وتم تنظيم عدد من الزيارات الرسمية على مستوى رئيس الوزراء ونائبه ورئيس مجلس النواب. وطبقت وزارة الاقتصاد والتجارة في قرغيزستان نظام الإعفاء من التأشيرة للصينيين لدخول قرغيزستان لمدة 21 يوماً. وتشير هذه الاجتماعات المستمرة إلى أن النفوذ السياسي للصين في قرغيزستان آخذ في التزايد. وهذه فرصة جيدة لمسؤولي البلاد للتقرب من الصين، خاصة وأن روسيا منشغلة في النزاع الأوكراني وأزماتها السياسية الداخلية.
اقتصاديا: تعززت العلاقات التجارية بين البلدين، وتم تنفيذ عدد من المشاريع الاستثمارية. على سبيل المثال، أطلق بناء مصنع تجميع سيارات قرغيزي صيني داخل البلاد، ومصنع تحويل النفايات إلى طاقة، وإعادة المرحلة الأولى من بناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 400 ميغاواط في إيسيك كول، وإعادة بناء طريق إيسيك كول الالتفافي، بالإضافة إلى بناء محطة أورتو توكوي للطاقة الكهرومائية الصغيرة. أقيم حفل افتتاح مصنع جوندا في 30 آب/أغسطس. وتم تسليم ستة مناجم فحم كبيرة في مناطق نارين وجلال آباد وأوش وباتكين إلى شركات صينية من أجل استغلالها. ويجري الآن بناء ساحة تجارية ولوجستية، وحزام ناقل للفحم، ومستودعات للفحم بالقرب من معبر إركشتام الحدودي لجمع الفحم وإرساله إلى الصين.
كما أطلق مشروع بناء خط السكك الحديدية الذي جرى الحديث عنه منذ عقود، بين الصين وقرغيزستان وأوزبيكستان، في 27 كانون الأول/ديسمبر 2024. وإذا تم بناء خط السكك الحديدية ووضع حيز الاستخدام، فسوف يكون هذا عاملاً آخر يعزز نفوذ الصين. لأن 51% من أسهم الشركة التي تبني السكك الحديدية تنتمي إلى الصين، في حين إن الحصة المتبقية البالغة 49% تنتمي إلى قرغيزستان وأوزبيكستان بواقع 24.5% لكل منهما. وقُدرت تكلفة مشروع السكك الحديدية بنحو 4 مليارات و700 مليون دولار. بالإضافة إلى ذلك، يجري تنفيذ عدد من المشاريع التابعة لشركات صينية. على سبيل المثال، تم إنشاء مشاريع مشتركة بمشاركة وسيطرة الشركات الصينية، وتنفذ هذه الشركات مشاريع كبرى مثل مدينة ماناس ومركز أطباشي للتجارة الدولية والخدمات اللوجستية. والآن تعمل في قرغيزستان أكثر من 300 شركة صينية، بالإضافة إلى حوالي 200 شركة مشتركة بين قرغيزستان والصين، و80% من مؤسسات التعدين في قرغيزستان تنتمي إلى شركات صينية. وبالإضافة إلى ذلك، سيتم استخراج عدد من المعادن ذات الأهمية الاستراتيجية، في إطار مشروع السكك الحديدية، مثل رواسب الحديد في جيتيم-تو، ورواسب التيتانيوم في كيزيل-أومبول. وتُصدَّر هذه الموارد الطبيعية إلى الصين على شكل مواد خام أو في شكل معالج. إن الممر الجبلي بيدل، الذي يوفر الوصول من بارسكون إلى أوتش-توربون وأك-سوف، سوف يخدم هذا الغرض أيضاً.
هذا ما تؤكده المفاوضات بين رئيس الوزراء المنتهية ولايته أكيلبيك جباروف وشركة كبيرة لتعدين التيتانيوم في الصين بشأن معالجة التيتانيوم من كيزيل-أومبول. وفي المقابل، تمثل ديون قرغيزستان من الصين 36% من إجمالي ديونها الخارجية البالغة 4.5 مليار دولار. وبالتالي فإنه من الممكن تماما أن تُستخدم الموارد الطبيعية لسداد الديون الخارجية، كما قال الرئيس صدر جباروف عندما تولى منصبه.
ثقافيا: في السنوات الأخيرة، بدأت الصين تولي اهتماماً متزايداً لقطاع التعليم أيضاً في قرغيزستان. ويجري العمل على تعزيز اللغة والثقافة الصينية بشكل مكثف. هناك أربعة معاهد كونفوشيوس الصينية، وأكثر من 20 فصلاً دراسياً لكونفوشيوس في بيشكيك، وأوش، وجلال آباد، يدرس فيها أكثر من 10 آلاف طالب. ويرتفع عدد القرغيزيين الذين يدرسون في الجامعات الصينية بشكل كبير. وفي الوقت نفسه، يتزايد أيضاً تدفق الطلاب القرغيز إلى الجامعات في مختلف محافظات الصين لتلقي التعليم المجاني.
وفي الختام، يجب ألا ننسى أن نفوذ الصين المتنامي في المنطقة يشكل خطرا على المسلمين. ولا ينبغي أن ننخدع بتحسين بعض البنى التحتية وبدء تنفيذ بعض المشاريع الاستراتيجية، لأن هذه المشاريع ستزيد من اعتمادنا على الصين. إن مَيل قرغيزستان ناحية الصين رغبة في الهروب من براثن روسيا هو كالمستجير من الرمضاء بالنار. وهذا يشكل تهديداً خطيراً لمستقبل البلاد وأهلها المسلمين، لكن قرغيزستان تفتح أبواب البلاد أمام الصين مقابل الحصول على المنح والقروض منها. إن الظلم الذي يعانيه إخواننا وأخواتنا المسلمون في تركستان الشرقية اليوم يبدو وكأنه قصة خيالية بالنسبة للكثيرين. لقد انشغلت الصين بالاستعمار الثقافي للمسلمين في تركستان الشرقية على مدى عقود من الزمن قبل أن تبدأ قمعهم. ولذلك يجب علينا أن نقاوم هذه الاتفاقيات التي هي ضد مصالح الأمة، وأن نقاوم سياسات الصين العدوانية في المنطقة. وبطبيعة الحال فإن هذه المقاومة لن تكون فعالة إلا إذا ارتكزت على المبادئ الإسلامية. لأن المقاومة المبنية على المشاعر القومية والوطنية هي مقاومة مؤقتة ولا تستطيع الصمود في وجه النظام الحالي. كما يجب علينا أن نحذر أيضاً من الانخداع بحِيَل الغرب وخدمة سياساته في معارضة سياسات الصين العدوانية. ولذلك فإننا لن ننال السعادة في هذه الدنيا وفي الآخرة إلا بالعمل في صفوف الذين يسعون لتكون كلمة الله هي العليا.
بقلم: الأستاذ ممتاز ما وراء النهري
رأيك في الموضوع