التقى أمير خان متقي، وزير خارجية طالبان، في 8 كانون الثاني/يناير في الإمارات مع فيكرام ميسري، نائب وزير الخارجية الهندي. وأعلن الطرفان عن اتفاقيات جديدة لتعزيز العلاقات السياسية والتجارية بين البلدين. وخلال اللقاء، تم التأكيد على دور الهند في مشاريع التنمية في أفغانستان، وتقديم "المساعدات الإنسانية"، وتسهيل إصدار التأشيرات للأفغان. كما شدد متقي على أن حكومة طالبان تسعى لإقامة علاقات إيجابية مع جميع الدول، مع التركيز على تحقيق النمو الاقتصادي والتوازن في العلاقات الدولية.
بالتزامن مع هذه التطورات، تصاعدت التوترات بين أفغانستان وباكستان. فقد شنت القوات الباكستانية غارات على المناطق الحدودية الأفغانية، مع تكثيف عمليات ترحيل اللاجئين الأفغان، بينما ردت حكومة طالبان باستهداف مواقع عسكرية باكستانية على الجانب الآخر من خط ديوراند.
منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة، أغلقت الهند سفارتها في كابول، إلا أنها أبقت على بعثة فنية صغيرة داخل السفارة منذ عام 2022 لمراقبة الوضع. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2024، زار جي بي سينغ، نائب وزير الخارجية الهندي لشؤون باكستان وأفغانستان وإيران، كابول، حيث التقى بمسؤولين في حكومة طالبان ووافق على تسليم مسؤولية الخدمات القنصلية الأفغانية في مومباي إلى حكومة طالبان.
في السنوات الأخيرة، فقدت الهند عدداً من حلفائها الإقليميين، من بينهم أفغانستان وبنغلادش وجزر المالديف وميانمار، بينما توترت علاقاتها مع نيبال وسريلانكا. من جهة أخرى، تصاعد النفوذ الصيني في أفغانستان وباكستان وإيران، ما زاد من مخاوف الهند بشأن تراجع نفوذها الإقليمي. ورداً على ذلك، تحاول نيودلهي، بدعم من أمريكا، لعب دور أكثر نشاطاً في أفغانستان بدلاً من الانعزال.
في بداية تولي طالبان السلطة، كانت الهند تصفها بأنها "تابعة لباكستان"، ووضعتها إلى جانب الصين وباكستان تحت مظلة "محور الشر". إلا أن هذا الموقف تغير تدريجياً مع انخراط الهند بشكل أعمق في الشأن الأفغاني. وتعتبر أمريكا العلاقة بين الهند وطالبان جزءاً من استراتيجيتها لكبح نفوذ الصين وتعزيز مكانة الهند في المنطقة.
توصلت الهند إلى قناعة بأنها يمكن أن تحسن علاقاتها مع حكومة طالبان، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة بينها وبين باكستان. وتسعى الهند لتحقيق هذا الهدف عبر تقديم "المساعدات الإنسانية"، واستكمال المشاريع التنموية غير المنجزة في أفغانستان، واستخدام ميناء تشابهار كبديل لمينائي كراتشي وجوادر. كما تسعى لتسهيل تصدير المنتجات الزراعية الأفغانية، التي تتعرض للتلف نتيجة إغلاق الموانئ الباكستانية، ما يعزز دورها كطرف مؤثر في اقتصاد أفغانستان. هذه الخطوات تشكل فرصة للهند لتوسيع نفوذها الإقليمي وتحويله إلى استثمار استراتيجي.
في المقابل، تسعى حكومة طالبان إلى تعزيز علاقاتها مع الهند للخروج من العزلة الدولية وضمان الاعتراف بها على أساس سياسة تركز على الاقتصاد وتوازن العلاقات الدولية، وتخطط لتعيين دبلوماسيين من الجانبين وتعزيز التعاون التجاري، بما يشمل تسهيل منح التأشيرات للطلاب والمرضى ورجال الأعمال الأفغان.
الهند، من جانبها، تستغل التطورات في العلاقات الدولية لتحقيق رؤيتها "الهند الكبرى"، وتسعى لتوسيع هيمنتها في المنطقة. ولتحقيق هذا الهدف، ترى ضرورة تقييد القدرات الاستراتيجية للبلاد الإسلامية، لا سيما باكستان، والعمل على توجيه الدول الإقليمية تحت قيادتها، وبدعم أمريكي، لمواجهة النفوذ الصيني.
دعم الهند للحركات الانفصالية في بلوشستان وبشتونستان زاد من تعقيد العلاقات الإقليمية. تعتبر باكستان هذا التدخل تهديداً لوحدة أراضيها، وتواصل التحذير من التدخلات الخارجية التي تدعم هذه الحركات. هذه السياسات قد تواجه الهند بعقبات إضافية في تحقيق أهدافها الإقليمية.
إلا أن هذه السياسة تأتي على حساب المسلمين في المنطقة. فالهند، مثل أمريكا والناتو والصين وروسيا، تخوض حرباً مباشرة تهدف إلى تدمير قيم الأمة الإسلامية. هذه السياسات تستهدف المسلمين، وخصوصاً في الهند وكشمير، حيث تفاقمت معاناتهم بشكل كبير نتيجة سياسات القمع والتهميش.
ويبرز وضع المسلمين في الهند وكشمير كواحد من أكثر القضايا حساسية في المنطقة. فعمليات القتل الجماعي، تدمير المساجد، حظر الحجاب، اقتحام المنازل، ودعم كيان يهود في انتهاكاته لأهل فلسطين، كلها أمثلة صارخة على عداء الهند للإسلام والمسلمين. وقد حولت هذه السياسات العلاقات مع الأمة الإسلامية إلى مواجهة صريحة، ترى الشريعة الإسلامية أنها لا تُرد إلا بالجهاد وإقامة الخلافة.
في ضوء ذلك، ينبغي التعامل مع الهند كعدو محارب بالفعل، وليس كشريك تجاري أو حليف! ولن يتمكن حكام المسلمين، وخاصة في أفغانستان، من تبني هذا الموقف إلا إذا التزموا بمبدأ "الولاء والبراء"، وجعلوه ركيزة أساسية لسياستهم الخارجية.
ما دامت السياسة الخارجية لحكومة طالبان تعتمد على البراغماتية والتركيز على الاقتصاد، تحت شعار "التوازن والحياد في العلاقات الدولية"، فستظل بعيدة عن معايير الدولة الإسلامية، بل وستفقد حتى مكانتها بين الدول القومية غير الشرعية. إن السياسة الخارجية للدولة الإسلامية يجب أن تقوم على نشر الإسلام عالمياً بالدعوة والجهاد، بما يحقق للبشرية الهداية والسعادة في الدنيا والآخرة.
بقلم: الأستاذ يوسف أرسلان
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية أفغانستان
رأيك في الموضوع