تشهد الكونغو الديمقراطية، والتي كانت تعرف سابقا بـزائير، صراعا محتدما في شرقها، وذلك منذ إعلان متمردي حركة 23 آذار/مارس "إم 23" الكونغولية، المدعومة من رواندا المجاورة، مؤخرا فرض سيطرتها على جوما، أكبر مدينة في شرقي البلاد، وتلويحها بنقل القتال إلى العاصمة كينشاسا، وسط تأهب الجيش الكونغولي، وإعلان الرئيس فيليكس تشيسيكيدي التعبئة العسكرية لمقاومة التمرد. (قراءات أفريقية).
ترجع أسباب الأزمة إلى عوامل عدة، يتقدمها تجذر الصراع العرقي العابر للحدود، في المنطقة التي تعيش فيها قوميات عديدة، على رأسها التوتسي، والهوتو، ويغذيها الغرب المستعمر بعامة، وأمريكا بخاصة.
وتقول رواندا إن الهوتو الفارين إلى شرق الكونغو، مارسوا إبادة جديدة بحق التوتسي الكونغوليين، ذوي الأصول الرواندية، كما يتخذون من إقليم كيفو منطلقا لشن هجمات ضدها، بدعم من نظام موبوتو.
وزاد من حدة الصراع أن البلاد شهدت موجات تدفق من دول الجوار، وتحديدا من رواندا وبوروندي، وبين النازحين متهمون بالمشاركة في أعمال إبادة جماعية، وأصبحت البلاد ساحة لتصدير النزاع، وتصفية الحسابات بين الفارين من الحروب في تلك الدول، وتعود إلى حقبة ما قبل الاستعمار البلجيكي.
وكانت بداية التمرد في 6 أيار/مايو 2012م، حيث انشق عسكريون من قومية التوتسي عن الجيش، بعد أن انضموا إليه بموجب اتفاق 23 آذار/مارس، احتجاجا على عدم تنفيذه، وأسسوا حركة مسلحة جديدة عرفت باسم "إم 23"، التي خاضت قتالا ضاريا ضد حكومة كينشاسا، وتمكنت من تحقيق انتصارات ميدانية على الجيش الكونغولي، والمليشيا المناصرة له، لكنها سرعان ما خسرت المعركة، واستسلم مئات من مقاتليها، وفر آخرون إلى دول الجوار. ثم عادت الحركة بقوة إلى الواجهة في أواخر 2021، فسيطرت على مناطق عدة بإقليم كيفو الشمالي، ثم تزايدت وتيرة نشاطها المسلح، لتصبح ثاني أكبر الحركات المسلحة الكونغولية نشاطا عام 2022م. واستمرت المعارك الدائرة بين الحركة، وبين الجيش الكونغولي والمليشيا المناصرة له طوال عامي 2023 و2024م.
وفي آذار/مارس 2024 تعثرت مفاوضات سلام بين الطرفين، كان يقودها الرئيس الأنغولي، جواو لورنسو، كما ألغت أنغولا قمة سلام كان قد تقرر عقدها منتصف كانون الأول/ديسمبر بين رواندا والكونغو الديمقراطية، إذ تتهم كينشاسا كيغالي بدعم حركة "إم 23".
وفي تطور متسارع هاجم متظاهرون سفارات عدة في كينشاسا، عاصمة الكونغو الديمقراطية، بما فيها سفارة رواندا، خلال تظاهرات، الثلاثاء، مناهضة لتصاعد الصراع في شرق البلاد، وفق ما أفادت مصادر دبلوماسية. واستُهدفت سفارات رواندا وفرنسا وبلجيكا وأمريكا، في حين تصاعد الدخان من مبنى سفارة فرنسا، وفق ما شاهدت مراسلة وكالة فرانس برس.
إن الموقف الدولي تجاه أزمة الكونغو متخاذل إلى حد كبير، كما هو الحال للصراعات الدائرة في معظم أنحاء القارة الأفريقية، وفق تقسيم خارطة سايكس بيكو.
إن دول الغرب، ومنظمات الأمم المتحدة، ليس لها سوى إحصاءات الموتى، وتصريحات الشجب والإدانة.
أوردت تقارير عن مقتل 13 جنديا من جنوب أفريقيا ومالاوي وأوروغواي، من البعثة التابعة للجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في الكونغو وبعثة "مونوسكو" على السواء، في المعارك الدائرة مع قوّات "إم 23"، وفق سلطات الدول الثلاث. وفاقمت أعمال العنف الأخيرة أزمة إنسانية مزمنة في المنطقة. وقد تسبّبت المعارك بنزوح 400 ألف شخص منذ مطلع كانون الثاني/يناير، وفق الأمم المتحدة.
صرح وزير خارجيّة فرنسا جان نويل بارو، صباح الاثنين قائلاً إن "غوما على وشك السقوط"، مندّدا بشدّة الهجوم العسكري الذي تتعرّض له المدينة، ما سبب في تسميتها أرض الأيادي المقطوعة.
استغلت بلجيكا ثروات الكونغو من العاج والمطاط، والذي كان يرسل نحو مصانع السيارات الأوروبية. ومن أجل توفير يد عاملة كافية لاستخراج المطاط، عمدت إلى استعباد سكان الكونغو. وافقت بلجيكا في البداية على منح مبلغ مالي بسيط، مقابل كل رطل من المطاط للكونغوليين. إلا أن السلطات البلجيكية فرضت لاحقاً ضرائب قاسية على سكان الكونغو. وأمام عجزهم عن الدفع، فقد الكونغوليون أراضيهم، قبل أن يجدوا أنفسهم في النهاية عبيداً. وخلال تلك الفترة، حدد المسؤولون البلجيكيون كمية معينة من المطاط، لكل كونغولي، وفي حال فشل الأخير في توفير هذه الكمية، يتعرض، وأفراد عائلته، إلى عقاب قاس. كانت عملية استخراج المطاط انطلاقاً من شجر المطاط متعبة وشاقة. وأمام تكاسلهم في عملهم وعدم قدرتهم على توفير الكميات المطلوبة، تعرض الكونغوليون للجلد، وحرموا من الطعام.
كذلك مارس البلجيكيون سياسة أخرى، عمدوا من خلالها إلى بتر يدي كل كونغولي يتقاعس في عمله. وأقدمت فرق المرتزقة على مهاجمة، وحرق القرى الكونغولية، واعتقال الأهالي لاعتمادهم كوسيلة ضغط بهدف إجبار الكونغوليين على العمل لساعات طويلة. وأدت السياسة البلجيكية المعتمدة بالكونغو، منذ عام 1885 في وفاة حوالي 10 ملايين كونغولي، أي ما يعادل ثلث سكان البلاد. في حين أفادت مصادر أخرى بأن عدد الضحايا يتراوح بين 5 ملايين و13 مليوناً. وبسبب انتشار ظاهرة قطع الأيادي، لقبت الصحف العالمية الكونغو بأرض الأيادي المقطوعة.
أما أمريكا، فيتضح جليا أنها تدعم حركة إم 23، وتريد أن تمكن هذه الحركة، وتفرض سيطرتها ونفوذها على البلد، فأمريكا صارت تعتمد على الحركات المسلحة المتمردة، لإيصال عملائها لكرسي الحكم، وحيث إن الكونغو يعتبر بلدا غنيا جدا بالثروات، فهو محل لأطماع أمريكا، التي لا تلقي بالا لشلال الدماء السائلة، ولا تريد إيقاف الحرب إلا بتسلق رجالها السلطة، وبهذا الصدد، قال ترامب؛ الرئيس الأمريكي المنتخب، عندما سئل عما إذا كانت لديه خطة لإحلال السلام في الكونغو الديمقراطية، بعد أن تصاعد في مناطقها الشرقية صراع، تقول واشنطن، والأمم المتحدة وآخرون، إن رواندا ضالعة فيه، فردّ ترامب قائلاً للصحفيين: "أنتم تسألونني عن رواندا، إنها مشكلة خطيرة جداً، أقر بهذا، لكنني لا أعتقد أن من المناسب التحدث عنها الآن. لكنها مشكلة خطيرة جداً"، وفق رويترز.
ستظل الأمور في أفريقيا كما هي عليه الآن بل ستسير نحو الأسوأ، ما لم يتخذ الناس مشروعا نهضويا مستمدا من نظام رباني لا يظلم فيه أحد، وترد فيه المظالم إلى أهلها عكس نظرة الغرب الاستعمارية وجشع نظامه الرأسمالي، لنهب خيرات هذه البلدان الغنية فعلا، ولكن سياسة المستعمر جعلها تقبع في مستنقع الفقر. واليوم العالم يترقب بزوغ فجر جديد، ينعم فيه بالأمن والأمان، نظام الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين، يقول المولى عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد السلام إسحاق
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع