مع تصاعد الرأي العام الدولي ضد السعودية في قضية خاشقجي وقضية حرب اليمن، أدركت أمريكا أنها لا بد أن تحافظ على رجلها محمد بن سلمان قويا في الحكم، فلجأت إلى قضية اليمن لتصنع له انتصارا في مفاوضات السويد، التي أعلن عنها وزير الدفاع الأمريكي نهاية الشهر الماضي، وبهذا توجه أنظار العالم نحو مفاوضات الحل الشامل المؤدي إلى وقف الحرب في اليمن، التي يقودها ما يسمى التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية، وبإعلان السعودية وقف الحرب في اليمن ستخف حدة الانتقادات الدولية على نظام الحكم السعودي والأمير محمد بن سلمان المتورط في قتل الصحفي جمال خاشقجي.
اغتنمت بريطانيا تلك الدعوة الأمريكية وقامت بتوجيه عملائها للتقدم في جبهات القتال في صعدة والضالع والحديدة، وبالفعل أحرزت القوات التابعة لعبد ربه هادي تقدما ملحوظا في تلك الجبهات واستطاعت لأول مرة دخول مدينة الحديدة ذات الميناء الاستراتيجي في البحر الأحمر. وتعد هذه خسارة عسكرية إضافية للحوثيين الذين حاولت أمريكا إنقاذهم تحت دواع (إنسانية) والحفاظ على أرواح المدنيين، ونادت بالوقف الفوري للقتال في الحديدة، إلاأن قوات عبد ربه هادي مسنودة بالعتاد الإماراتي واصلت تقدمها داخل شوارع المدينة، واستمرت الجبهات الأخرى في القتال وسط تراجع لافت للقوات التابعة لعبد الملك الحوثي.
وعلى حين غرة ظهر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت في الرياض ثم في أبو ظبي، والتقى في الرياض بمحمد بن سلمان وعبد ربه هادي، وفِي أبو ظبي جمع المتحاربين إعلاميا محمد بن زايد وقيادات التجمع اليمني للإصلاح (إخوان مسلمين) في مجلس واحد أثار دهشة أتباع الفريقين، وأصدر لهم الأوامر بوقف القتال في الجبهات - رغم قدرتها على تحقيق التقدم الميداني - مسايرة لأمريكا واغتناما لدعوتها لوقف القتال، في توقيت يبدو فيه عملاء الإنجليز الأعلى كعبا في الميدان العسكري والسياسي، وفعلا تم وقف القتال في الحديدة فجأة، وتسارعت التصريحات بإحراز تقدم في المسار السياسي. وقال جيريمي هنت: (غادرت المنطقة وأنا متفائل لأرى مؤشرات لإحراز تقدم، وإنني عازم على بذل كل المستطاع لتحويل ذلك إلى سلام دائم للشعب اليمني).
وفِي السياق نفسه تم الإعلان عن اجتماع الرباعية الدولية (أمريكا والسعودية وبريطانيا والإمارات) لمعالجة الاقتصاد اليمني ووقف تدهور العملة. ثم جاء تقديم مارتن غريفيث ورقته إلى مجلس الأمن الدولي بخصوص اليمن الجمعة 16 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، والتي أعلن فيها عن بدء مفاوضات السويد نهاية الشهر الجاري للوصول إلى اتفاق سياسي شامل يؤدي إلى وقف القتال في اليمن.
وبهذا نجد أن اتفاقا قد تم بين أمريكا وبريطانيا للوصول إلى وقف القتال في اليمن، إذأرادت أمريكا إخراج محمد بن سلمان من الضغوط الدولية حتى داخل أمريكا نفسها، وتحسين صورته المشوهة دوليا وإنقاذ السعودية من حرب استنزاف لا تبدو نهايتها ماثلة للعيان، وفِي الوقت نفسه أرادت أمريكا أن يذهب عميلها الحوثي إلى المفاوضات السياسية حيّا وليس متهالكا مع التراجع الميداني الملحوظ لقواته، والانشقاقات السياسية لأتباعه، لهذا اختارت أمريكا هذا التوقيت لإعلان وقف الحرب في اليمن.
أما الجانب البريطاني فهو كعادته في القضايا الدولية يساير أمريكا ولا يقف ضدها، ولكن ليشاركها وينافسها بل ويعرقلها أحيانا، فاختارت بريطانيا أيضا وقف حرب اليمن مسايرةً لأمريكا بعد أن أوعزت للعملاء بالتقدم في الجبهات وقبل المزيد من انهيار العملة المحلية وتفاقم الأزمات الاقتصادية التي قد تعصف بحكومة هادي الضعيفة أصلا في ما يسمى المناطق المحررة، مغتنمة تماسك الوسط السياسي القديم التابع لها والوجود الإماراتي المكشوف في المدن الساحلية والموانئ اليمنية، وبهذا ستتوجه إلى السويد بحصتين مقابل حصة واحدة لعملاء أمريكا الحوثيين؛ إحداهاعبد ربه هادي والأحزاب التابعة له، وثانيها حصة الحراك الجنوبي الذي احتوته الإمارات لصالحها عن طريق ما أسمته المجلس الانتقالي الجنوبي.
وهكذا نجد أن أعداء الأمة الإسلامية الذين احتلوها دهرا من الزمن ونهبوا ثرواتها ولا يزالون، هم من يشعل الحرب ويمد الأطراف بالأسلحة لتدمير البلاد والعباد، وهم من يوقفها بإصدارهم الأوامر للعملاء العبيد، حفاظاً على مصالحهم وتقاسماً بينهم على النفوذ والثروة في بلادنا.
وها هي أطراف الحرب اليمنية المحلية والإقليمية قد انكشفت تبعيتها وعمالتها للغرب الكافر خدمة لمصالحه وتفانياً لتنفيذ أجندته في حربه الحضارية ضد الإسلام.
إن الغرب صاحب عقيدة "فصل الدين عن الحياة" لا يفتأ يحارب الإسلاموأهله، غافلا عن أنالإسلام دين الله العظيم ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ﴾ وأنه سخر له عبادا له سيدافعون عنه ويحملونه مشعل نور للعالم كله من خلال دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي ظهرت في الأفق خيوط شمسها، قال عليه الصلاة والسلام: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
رأيك في الموضوع