بعد مرور أكثر من ثمان سنوات منذ اندلاع حرب اليمن يزداد الزخم الدبلوماسي الدولي وخصوصاً الأمريكي لوقف حرب اليمن وتثبيت الحوثيين ضمن السلطة الحاكمة في اليمن، فقد تواترت الزيارات الدبلوماسية لطرفي النزاع؛ الحكومة الرسمية والحوثيين، وأرسلت أمريكا مبعوثها الخاص إلى اليمن ليندركينج أواخر تموز/يوليو 2023م الماضي، إلى المنطقة للمضي في الحل النهائي للأزمة اليمنية، وازدادت تحركات السفير الأمريكي في اليمن داخل البلاد وكأنه الحاكم الفعلي فيها، فيزور مدينة سيئون في نهاية شهر آب/أغسطس الماضي ويلتقي فيها بالمسؤولين المحليين المدنيين والعسكريين، حتى إنه ظهر في وسائل الإعلام جنود أمريكيون يجولون في مدينة الغرفة المجاورة لسيئون بالتزامن مع زيارة السفير الأمريكي لها وبرفقة مسؤولين سعوديين، في استعراض واضح للقوة العسكرية وسيطرة السعودية على وادي حضرموت وحاضرته سيئون في رسالة سياسية للإمارات وبريطانيا التي تقف خلفها، وتبسط نفوذها على ساحل ومؤانئ حضرموت عن طريق المجلس الانتقالي الذي أنشأته الإمارات عام 2017م.
قلنا إن أمريكا قد كثفت عملها الدبلوماسي من أجل فرض الحوثيين ضمن السلطة الحاكمة في اليمن مستندةً في ذلك إلى سيطرتهم الميدانية على العاصمة صنعاء ومعظم المناطق الشمالية، ومستندة إلى دعم إيران العسكري لهم، وإلى العمل الدبلوماسي السعودي في اليمن والذي يتمثل في أمرين:
١- اتفاق الرياض الذي وقعت عليه الحكومة الرسمية والمجلس الانتقالي الجنوبي، والذي يقضي بإدخال المجلس الانتقالي ضمن مؤسسات الحكومة العسكرية والمدنية، وبهذا تضمن السعودية دخولهما في مفاوضات الحل النهائي مع الحوثيين بوصفهم جهة واحدة، ويكون الحوثيون لهم ندا بند، وبهذا تضمن السعودية ومن خلفها أمريكا وجودا واسعا نسبيا للحوثيين ضمن التشكيلة السياسية الحاكمة في اليمن، وبهذا تتحقق المصالح الأمريكية في البلاد.
٢- التفاوض المباشر مع الحوثيين دون اعتبار لحكومة العليمي، وهذا يقوي من موقف الحوثيين التفاوضي ويضعف موقف الحكومة، وقد تم ذلك فعلا بإرسال السعودية وفدا تفاوضيا إلى صنعاء برئاسة السفير السعودي وتم الإعلان عن التوصل إلى تفاهمات بين الطرفين، وفي الوقت ذاته استقبلت الرياض وفدا حوثيا في محاولة للضغط على حكومة رشاد العليمي للتفاوض مع الحوثيين وفق رعايتها.
ورغم كل تلك المحاولات السعودية والأمريكية إلا أنها لم تسفر عن نتيجة تذكر! فقد أجهض المجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض ولم يلتزم بتنفيذ بنوده العسكرية وظلت وحداته العسكرية خارج سيطرة حكومة العليمي في اتهامات متبادلة بين الطرفين بعدم تنفيذ الاتفاق، بل حاول المجلس الانتقالي التابع للإمارات استعراض قوته العسكرية في ما يسمى المحافظات المحررة عدن وأبين وساحل حضرموت، بل وهدد بإعلان دولة جنوبية مستقلة تشمل المحافظات الجنوبية وعاصمتها عدن، وهذا يعد خسارة كبيرة لأمريكا والسعودية، لهذا لم تفتأ السعودية بالقيام بأعمال سياسية هدفها إجهاض مشروع الإمارات في الجنوب، وذلك بإنشاء مجلس حضرموت الوطني الذي أعلن أن حضرموت - الغنية بالنفط - لا تنتمي للمشروع الإماراتي.
وهكذا كلما تقدمت أمريكا شبرا نحو خطتها في فرض الحوثيين قبل أن تتآكل حاضنتهم الجماهيرية، أرجعتها بريطانيا ذراعا إلى الخلف، وها هي اليوم تدافع عن مستعمرتها عدن وترسل إليها الكويتي جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي كي يقول من هناك إن المجلس الخليجي يدعم الحكومة الرسمية بل ويقول إن الحل السياسي في اليمن ينبغي أن يكون وفق المرجعيات الثلاث التي تنادي بها هذه الحكومة، وهي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والقرارات الدولية وأهمها قرار 2216 الذي يعتبر الحوثيين مليشيا مغتصبة للحكم، وهذا يعزز موقف الحكومة ضد الحوثيين في مفاوضات الحل النهائي الذي يطبخ حالياً.
ومع هذا الاستقطاب السياسي يبدو جلياً أن الأمور في البلاد إما أن تسير نحو اتفاق سياسي، تغتنم فيه بريطانيا انشغال أمريكا بالظروف الدولية المتعلقة بالحرب الأوكرانية، ومنافسة الصين وروسيا لها في القضايا الدولية، أو تخرج البلاد عن سيطرة القوى المحلية المتنازعة، في الوقت الذي يخشى فيه الغرب من التفاف الناس حول المشروع الإسلامي المتمثل في إعادة الخلافة الراشدة وطرده هو وعملاءه من البلاد وإقامة حكم الإسلام، الأمر الذي يحقن دماء المسلمين ويحفظ أعراضهم وكرامتهم ويصون ثرواتهم التي يؤمنها حالياً الحكام العملاء للغرب الكافر، بينما يكتوي الناس بلظى ظلمات الأنظمة الديكتاتورية العميلة، مع أنهم هم أصحاب هذه البلاد وأصحاب خيراتها ولن يحصلوا عليها إلا بفرض مشروعهم هم وفق دينهم وعقيدتهم وهو الحكم بما أنزل الله وحمل الإسلام بالدعوة والجهاد إلى العالم، قال تعالى لنبيه ولأمته من بعده: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ﴾.
رأيك في الموضوع