أعلنت مجموعة بريكس في قمتها رقم 15 في مدينة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا التي عقدت بين يومي 22 و24/8/2023 قبولها عضوية كل من السعودية ومصر والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين بدءا من 1/1/2024، في الوقت الذي تقدمت فيه نحو 23 دولة بطلباتها للانضمام إلى المجموعة، وأعلنت عن تأسيس بنك لها ودعت إلى إصدار عملة مشتركة.
إن هذه المجموعة التي أعلن عن تأسيسها عام 2009 باسم بريك من البرازيل وروسيا والهند والصين، ومن ثم أعلنت عن ضم جنوب أفريقيا عام 2010، أصبح اسمها بريكس وهو مأخوذ من الأحرف الأولى لأسماء هذه الدول على التوالي بالأحرف اللاتينية، ولم تتوسع منذ ذلك العام إلى أن جاء هذا العام، وهي مجموعة اقتصادية لم يظهر لها أي دور سياسي يذكر، وبقيت تعمل على تعزيز التبادل التجاري بينها لا أكثر، ولم تعمل على تعزيز وحدتها الاقتصادية بإيجاد آليات فعالة تجعلها قوة مؤثرة، ولم تعمل على إيجاد عملة موحدة لها وبنك مركزي موحد كالبنك المركزي الأوروبي مثلا، ولم تقم بالعمل على منافسة المجموعات الاقتصادية الكبرى والعالمية الأخرى، بل إن هذه الدول نفسها منضوية في مجموعة العشرين تحت زعامة أمريكا.
ولكن ما استجد من أحداث جسام أثرت في الموقف الدولي بعد الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا ووقوف الغرب ضدها، وفرضه عقوبات اقتصادية قاسية عليها، بجانب تهديداته للصين بفرض عقوبات عليها إذا هي أقدمت على ضم تايوان، عندئذ بدأت روسيا والصين تفكران في استغلال مجموعة بريكس سياسيا لحسابهما من أجل تعزيز مواقفهما الدولية في مواجهة الغرب بقيادة أمريكا ولكسر الحصار وتخفيف العقوبات عن روسيا.
ولهذا صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ قائلا: "علينا أن نسمح لمزيد من الدول بالانضمام إلى أسرة بريكس وذلك من أجل إنشاء عالم أكثر إنصافا وعقلانية"، وقال "إن توسيع بريكس سيضخ زخما جديدا لآلية التعاون في المجموعة". فيفهم من ذلك أن الصين التي تعد أحد الأقطاب الرئيسية في المجموعة تهدف إلى تقوية المجموعة لزيادة التعاون بينها في مواجهة الغرب، ومن أجل أن يكون لها تأثير عالمي، إذ تدعو هي وروسيا إلى إقامة عالم متعدد الأقطاب، رفضا لعالم تهيمن عليه أمريكا خاصة والغرب عامة. حيث إن الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي ليس منصفا مع دول العالم الأخرى، فيعتبر نفسه هو القائد وهو صاحب الكلمة وله الحق في الاستحواذ على حصة الأسد، وفرض ما يريد على من يريد في العالم. ومع إدراك الصين لذلك ورغبتها في التخلص منه، إلا أنها لا تظهر جدية كافية في ذلك، فهي تخشى مواجهته، وتريده أن يكون عقلانيا فيفهم رغبات الآخرين ويحترمها فيتخلى عن الاستعلاء والغطرسة والعنجهية. وقد أكد مطلب الصين هذا، متحدث باسم خارجيتها لم تذكر الوزارة اسمه بقوله: "إن آلية مجموعة بريكس لا تعادي الغرب ولا تشارك في مواجهة مع أي معسكرات" ولكنه أشار إلى أن "توسع بريكس يشكل أهمية تاريخية كبيرة" أي يراد منه تعزيز مكانة الصين الدولية. والصين تصرح بهذه التصريحات الخجولة خشية من ردود فعل الغرب سواء أمريكا أو الاتحاد الأوروبي وهما أقوى قوتين اقتصاديتين عالميا وتتعامل معهما الصين ولا تريد أن تتوتر علاقتها معهما فتفقد الكثير من مكاسبها الاقتصادية والتكنولوجية. ولهذا قدمت تنازلات سياسية مثل التراجع عن دعم روسيا في حربها مع أوكرانيا، وكذلك تراجعت عن تهديداتها بضم تايوان إليها، وقد كانت متحمسة من قبل لضمها.
ولكن الرئيس الروسي كشف عن أهداف روسيا من بريكس وحاول أن يظهر التحدي والمنافسة فقال: "إن المجموعة ستتمكن من مضاهاة نفوذ القوى المنافسة التي يهيمن عليها الغرب مثل مجموعة السبع" وأضاف: "إن مساعي الغرب للهيمنة هي السبب في الحرب على أوكرانيا" وقال "إننا نرفض سعي بعض الدول لتعزيز هيمنتها واستعادة سياستها الاستعمارية". وذكر أن "روسيا تسعى لتوسيع مجموعة بريكس من أجل تحقيق العدالة الدولية والوقوف في وجه القوى التي تعتبر نفسها ذات مكانة استثنائية". وقال "إن التخلي عن الدولار كعملة عالمية عملية لا رجعة فيها. وإن الأعضاء يناقشون تحويل التجارة بعيدا عن الدولار إلى العملات الوطنية، وسيلعب بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس دورا رئيسيا، وسيكون بديلا عن البنوك والمؤسسات الغربية". وهذه أهدافه ومطامعه بأن يستخدم البريكس لها، ولكن الأعضاء الآخرين لا يشاركونه في الكثير منها.
فالبرازيل متمثلة برئيسها لولا دا سيلفا لم يشاركه الرأي، وإن دافع عن "إيجاد عملة موحدة بين دول بريكس في المعاملات التجارية، وإن ذلك سيقلل من ضعفها" معترفا بضعف المجموعة، ولكنه قال "لا نريد أن نكون نقطة مقابلة لمجموعة السبع أو مجموعة العشرين أو الولايات المتحدة. نريد تنظيم أنفسنا فحسب". وقال "إن المجموعة لا ترفض الدولار الأمريكي وإنما تسعى لإتمام التبادل التجاري بين أعضائها بالعملات المحلية في بعض الأحيان". إذ إن البرازيل واقعة تحت هيمنة أمريكا السياسية والاقتصادية، ولا تستطيع التخلص منها، بل تعمل على الاستمرار فيما هي عليه مع العمل على تحسين وضعها دون أن تواجه أمريكا، ولا تريد أن تقع تحت الهيمنة الصينية.
والهند ترفض هيمنة الصين وهي في حالة شبه عداء معها بسبب الخلافات الحدودية، وقد حصلت بينهما عدة اشتباكات مسلحة محدودة في السنوات الأخيرة. وهي تابعة لأمريكا على عهد حزب بهاراتيا جاناتا ورئيسه مودي، وهي داخلة فيما يشبه الحلف تحت قيادة أمريكا مع اليابان وأستراليا تحت مسمى الحوار الأمني الرباعي الذي تأسس عام 2007 وتستخدمه أمريكا للتصدي للصين.
وأما جنوب أفريقيا وهي أضعف الأعضاء اقتصاديا، بل إنها في حالة انهيار اقتصادي والفساد ينخرها، فهي أقل من أن تكون مؤثرة في أي شيء، وهي تابعة للغرب تابعية مطلقة، فلم تدافع عن فكرة إصدار عملة موحدة لدول البريكس.
وقال ليزيلي ماسدورب مدير بنك التنمية الجديد الذي أعلنت مجموعة بريكس عن تأسيسه: "سنزيد استخدام العملات المحلية، وهذا لا يعني أننا نتخلى عن الدولار أو نبتعد عنه، لكنه يعني أننا نقوم بجمع المزيد من التمويل بالعملة المحلية". وقال: "رأس مال البنك بالدولار الأمريكي. لذا فإن الدولار جزء أساسي في أساسيات البنك". أي أن الهيمنة الأمريكية باقية، لأن الدولار هو أهم أسلحتها.
والصين لا ترغب في التخلي عن الدولار لأن لديها أكبر احتياطي منه إذ يبلغ نحو 3.2 تريليون دولار ولا تريد وقف تجارتها مع أمريكا، بل تعمل على تعزيزها. ولهذا فإن دعوات الرئيس الروسي في التخلي عن الدولار لدى المجموعة منافية للواقع.
فلهذه الأسباب لا يمكن أن تكون هذه المجموعة قوية ومتجانسة وقادرة على أن تتخذ قرارات حاسمة تتحدى فيها هيمنة الغرب وخاصة الهيمنة الأمريكية ولا بديلا لها. وليست هي الحل ولا البديل، ولا يراهن عليها أن تخلص العالم من الهيمنة الغربية سواء الاقتصادية أو السياسية أو الفكرية. فهي لا تملك فكرة صحيحة ولا فكرة مغايرة جديدة، فهي مؤسسة على أسس اقتصادية رأسمالية.
وقد استبعدت أمريكا خطر هذه المجموعة عليها أو على المجموعات التي تتزعمها كمجموعة السبع أو المؤسسات المالية الدولية التي تتحكم فيها كصندوق النقد والبنك الدوليين. فقال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض: "إن الولايات المتحدة تستبعد تحول مجموعة بريكس إلى منافس جيوسياسي لها أو لأي بلد آخر" وقال "هذه مجموعة متنوعة من الدول، لديها اختلاف في وجهات النظر بشأن القضايا الحاسمة" وقال "التوتر العالمي المتصاعد الذي أثارته الحرب في أوكرانيا وتصاعد التنافس بين الصين والولايات المتحدة ألح على دفع الصين وروسيا للسعي لتقوية البريكس".
أما إعلان المجموعة ضم ست دول إليها فإن ذلك محاولة للظهور بمظهر القوي وهي ضعيفة في أسسها وفي قراراتها وفي تماسك أعضائها؛ منهم المتشاكسون، ومنهم الموالون للغرب ولا يريدون الانفكاك عنه. فكيف بالدول الست الجديدة مثل مصر والسعودية والأرجنتين وإثيوبيا وإيران كلها موالية لأمريكا والإمارات تابعة لبريطانيا؟! علما أنه لا يجوز لأي بلد إسلامي الانضمام إلى هذه المجموعة لكونها تخالف الإسلام كغيرها من المجموعات الاقتصادية والسياسية القائمة حاليا على أسس رأسمالية وتحت هيمنة المستعمرين والطامعين.
ولا حل للعالم إلا بالإسلام ولا بديل له إلا بدولته دولة الخلافة تنشر الهدى والخير في ربوعه وتقيم قواعد التجارة العالمية على أسس صحيحة لا ظلم فيها، تجعل الذهب والفضة عملة كل شعوبه، لتحفظ على الناس أموالهم وثرواتهم، وتمكنهم فردا فردا من الاستفادة منها.
رأيك في الموضوع