في خضم الأحداث المتأزمة والمتسارعة داخل فلسطين؛ من حيث غطرسة يهود، وازدياد أذاهم للناس وممتلكاتهم، وأعمال القتل والتنكيل والتخريب، وهدم البيوت التي باتت شبه يومية تقريبا. وكذلك الاعتداء على القدس والمسجد الأقصى المبارك، والمحاولات المتكررة لتقسيمه زمانيا ومكانيا؛ بمنع المصلين من دخوله في أوقات محددة. ومن حيث توسيع دائرة الاستيطان، وقضم مزيد من الأراضي، والتهديد بالسيطرة الكاملة على ما يسمى بمناطق سي، كما صرح بذلك وزير الأمن القومي لكيان يهود إيتمار بن غفير في 23/6/2023 حيث ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أنه دعا إلى "إطلاق العنان لإقامة مزيد من البؤر الاستيطانية غير الشرعية بالضفة الغربية، وشن عملية عسكرية واسعة؛ يتم خلالها القضاء على آلاف الفلسطينيين إذا لزم الأمر". وجاء ذلك في تصريحات أدلاها خلال زيارته بؤرة إفياتار الاستيطانية، فوق جبل صبيح في بلدة بيتا جنوب نابلس شمال الضفة الغربية. أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش فقال بتاريخ 1/3/2023؛ بعد العملية التي جرت في مدينة حوارة، وما أعقبها من تخريب وحرق المستوطنين لممتلكات الناس في المدينة: "إنه يعتقد أنه يجب محو بلدة حوارة من الوجود، وأن على دولة إسرائيل القيام بذلك".
والمعروف أن مناطق سي حسب اتفاقية أوسلو التصفوية، تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية. وهناك مناطق يمنع فيها البناء بشكل مطلق بحجة الأمن والآثار والطبيعة، والحاجات العسكرية والتدريب، ومنها أيضا أراض داخل الجدار الفاصل ويسمى بالجدار الأمني، وغير ذلك من حجج تلفيقية كاذبة؛ من أجل السيطرة على هذه المناطق. وتشكل هذه المناطق حوالي ثلث مناطق سي. وهذه المناطق تنتشر فيها بؤر مغتصبات (مستوطنات) كبيرة حيث يوجد حوالي 144 مغتصبة، منها 12 في شرقي القدس، ويقيم في هذه المغتصبات حوالي 450000 في الضفة الغربية، وحوالي 220000 في مناطق القدس الشرقية. وتضع حكومة يهود عراقيل كبيرة لعمليات البناء في هذه المناطق، وتقوم بعمليات الهدم متى شاءت. كما أنها تطلق العنان للجيش للقيام بكافة الأعمال العسكرية فيها، حسب ما تضمنته اتفاقية أوسلو، وتسيطر فيها على كل المياه الجوفية، وتمنع من حفر آبار جديدة فيها.
وأمام هذه الأحداث المتسارعة والمتزايدة، باتت الإدارة الأمريكية، وبعض الدول في الأمم المتحدة تنظر إلى الأحداث نظرة فيها نوع من الاتهام والريبة أحيانا، والتجريم أحيانا أخرى لكيان يهود، وتطالبه بالتهدئة، ومعالجة الأمور، وعدم تفاقم الأحداث، بحيث لا تؤثر على المحيط، أو على متابعات أمريكا لقضايا عالمية أخرى منشغلة بها، مثل قضية الحرب الروسية، أو التوترات في قضية الصين وتايوان وكوريا الشمالية، أو حتى القضايا الأمريكية الداخلية المتوترة مثل الصراع المحتدم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وقضايا الاقتصاد المتفاقمة... وغير ذلك من مشاغل ومشاكل تشغل أمريكا عالميا ومحليا. فالسبب ليس مصلحة المسلمين ولا قضاياهم، ولا مقدساتهم؛ ولكن الحرص على مصالحهم الاستعمارية والسياسية التي تؤثر الأحداث عليها، وتؤثر كذلك على المحيط لفلسطين فتثير الشعوب ضد عملائها وضد مصالحها.
وبالفعل صدرت عدة بيانات عن الأمم المتحدة، وعن مجلس الأمن الدولي وعن سياسيين بارزين في الإدارة الأمريكية، وعن منظمات يهودية أمريكية تعيش في أمريكا تتهم اليهود بالتصعيد، وتطالبهم بتهدئة الأمور، ومن هذه التصريحات:
- أكد مجلس الأمن الدولي بتاريخ 25/4/2023 ضرورة احترام الوضع التاريخي والقانوني القائم في الأماكن المقدسة بمدينة القدس المحتلة. وشدد خلال الجلسة الخاصة التي عقدها لمناقشة الأوضاع في فلسطين، برئاسة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي تترأس بلاده المجلس للشهر الجاري، على أنه لا بديل عن حل الدولتين؛ على أساس حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعلى أن المستوطنات غير شرعية وفق القانون الدولي، وتشكل عائقا أمام عملية السلام.
- وفي 28/2/2023 قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: "إن بلاده تدين العنف الواسع النطاق والعشوائي الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين، حسب تصريحات متلفزة نقلتها هيئة البث الإسرائيلية الرسمية".
- وفي 19/5/2023 أدانت وزارة الخارجية الأمريكية ما وصفته بالعنف "المشين وغير المقبول"، والسلوك العنصري في مسيرة الأعلام السنوية لقوى يهود اليمينية في القدس المحتلة يوم الخميس. وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر: "تعارض الولايات المتحدة بشكل قاطع أي لغة عنصرية بأي شكل من الأشكال... إننا ندين الهتافات البغيضة مثل الموت للعرب خلال مسيرات أمس في القدس". وحثت الخارجية الأمريكية جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس والامتناع عن الأعمال أو الخطابات الاستفزازية التي تؤجج التوترات... وفي 27/1/2023 قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: "نأسف لسقوط أرواح الأبرياء، وكذلك الجرحى في صفوف المدنيين، ونشعر بقلق عميق إزاء دائرة العنف في الضفة الغربية"... وتابع: "نؤكد على الحاجة الملحة لجميع الأطراف لخفض التصعيد، ومنع المزيد من الخسائر في أرواح المدنيين، والعمل معاً لتحسين الوضع الأمني في الضفة الغربية"، وقال أيضا: "يستحق الفلسطينيون والإسرائيليون - على حد سواء - العيش بسلام وأمان".
- وقالت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، في اتصال هاتفي مع الصحفيين إن الوزارة "قلقة بعد العملية الإسرائيلية المميتة في مدينة جنين بالضفة الغربية"، وأضافت: "نشعر بالقلق إزاء أمرين؛ أولا: نفهم أن هناك خسائر في صفوف المدنيين، وهو أمر مؤسف للغاية، وثانيا: من الواضح أن هناك احتمال أن تسوء الأمور من الناحية الأمنية، من حيث الاحتجاجات أو أي نوع آخر من الإجراءات.
- صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، لشبكة CNN الأمريكية في 20 حزيران/يونيو 2023، بأن واشنطن "تحث على وقف التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين"، وذلك بعد مداهمة يهود لمدينة جنين، خلفت عدة شهداء وعشرات الجرحى. وقال إن "أعمال العنف الأخيرة أسفرت عن مقتل العديد من الفلسطينيين، وحدوث إصابات في الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين"، وأضاف: "ندعو الجانبين إلى الامتناع عن الأعمال التي تصعد التوترات".
- صرحت المنظمة اليهودية جي ستريت 22/6/2023، على لسان رئيسها جيريمي بن عامي، الوزير السابق في كيان يهود، الذي يعيش منذ سنوات في أمريكا "إننا أمام لحظة تجرّ فيها سياسات حكومة نتنياهو العلاقة مع اليهود الأمريكيين، نحو صدام محتمل، وهو ما يخلق مخاوف كبيرة من حدوث ذلك". المخاوف نفسها عبّر عنها الحاخام ريك جاكوبز رئيس الاتحاد اليهودي الإصلاحي؛ وهو تجمّع يضم غالبية قوى الحركة اليهودية، بأنه يشعر بقلق عميق للمسار الذي تمضي فيه حكومة يهود.
- أدانت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين على لسان رئيسها في 18 آب/أغسطس 2023 هدم سلطات يهود مدرسة عين سامية في قرى رام الله؛ ممولة من دوله الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وطالب بيان مقتضب صادر عن بعثة الاتحاد الأوروبي كيان يهود باحترام حق الأطفال الفلسطينيين في التعليم، وبتعويض الاتحاد الأوروبي عن التمويل الذي فقده.
يتبع...
رأيك في الموضوع